يخالف مراد الله من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان.
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذ بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا قد بذلوا من أموالهم للمهاجرين فيسّر الله عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك ، وكان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم ، قال تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون : ٧]. وهذا يشير إليه عطف قوله : (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أي تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سببا في ظهورها فكأنه أظهرها. وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد.
والإحفاء : الإكثار وبلوغ النهاية في الفعل ، يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح. وعن عبد الرحمن بن زيد : الإحفاء أن تأخذ كل شيء بيديك ، وهو تفسير غريب. وعبر به هنا عن الجزم في الطلب وهو الإيجاب ، أي فيوجب عليكم بذل المال ويجعل على منعه عقوبة.
والبخل : منع بذل المال.
والضغن : العداوة ، وتقدم آنفا عند قوله (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) [محمد : ٢٩]. والمعنى : يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية ، فلطف الله بالكثير منهم اقتضى أن لا يسألهم مالا على وجه الإلزام ثم زال ذلك شيئا فشيئا لما تمكن الإيمان من قلوبهم فأوجب الله عليهم الإنفاق في الجهاد.
والضمير المستتر في (وَيُخْرِجْ) عائد إلى اسم الجلالة ، وجوز أن يعود إلى البخل المأخوذ من قوله : (تَبْخَلُوا) أي من قبيل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨]. وقرأ الجمهور (يُخْرِجْ) بياء تحتية في أوله. وقرأه يعقوب بنون في أوله.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ)
كلام المفسرين من قوله : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) إلى قوله : (عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٦ ـ ٣٨]