قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) في سورة النساء [١٠٩]. والأكثر أن يكون اسم الإشارة في مثله مجردا عن (ها) اكتفاء ب (هاء) التنبيه التي في أول التركيب كقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) في سورة آل عمران [١١٩].
وجملة (تُدْعَوْنَ) في موضع الحال من اسم الإشارة ، ومجموع ذلك يفيد حصول مدلول جملة الحال لصاحبها حصولا واضحا. وزعم كثير من النحاة أن عدم ذكر اسم الإشارة بعد (ها أنا) ونحوه لحن ، لأنه لم يسمع دخول (ها) التنبيه على اسم غير اسم الإشارة كما ذكره صاحب «مغني اللبيب» ، بناء على أن (ها) التنبيه المذكورة في أول الكلام هي التي تدخل على أسماء الإشارة في نحو : هذا وهؤلاء ، وأن الضمير الذي يذكر بعدها فصل بينها وبين اسم الإشارة. ولكن قد وقع ذلك في كلام صاحب «المغني» في ديباجة كتابه إذ قال : وها أنا بائح بما أسررته ، وفي موضعين آخرين منه نبه عليهما بدر الدين الدماميني في شرحه «المزج على المغني» ، وذكر في شرحه الذي بالقول المشتهر ب «الحواشي الهندية» أن تمثيل الزمخشري في «المفصل» بقوله : ها إن زيدا منطلق يقتضي جواز : ها أنا أفعل ، لكن الرضيّ قال : لم أعثر بشاهد على وقوع ذلك.
وجملة (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) تذييل للشيء قبلها فالله الغني المطلق ، والغني المطلق لا يسأل الناس مالا في شيء ، والمخاطبون فقراء فلا يطمع منهم البذل فتعين أن دعاءهم لينفقوا في سبيل الله دعاء بصرف أموالهم في منافعهم كما أشار إلى ذلك قوله : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ).
والتعريف باللام في (الْغَنِيُ) وفي (الْفُقَراءُ) تعريف الجنس ، وهو فيهما مؤذن بكمال الجنس في المخبر عنه ، ولما وقعا خبرين وهما معرفتان أفادا الحصر ، أي قصر الصفة على الموصوف ، أي قصر جنس الغنيّ على الله وقصر جنس الفقراء على المخاطبين ب (أَنْتُمْ) وهو قصر ادعائي فيهما مرتب على دلالة ال على معنى كمال الجنس ، فإن كمال الغنى لله لا محالة لعمومه ودوامه ، وإن كان يثبت بعض جنس الغني لغيره. وأما كمال الفقر للناس فبالنسبة إلى غنى الله تعالى وإن كانوا قد يغنون في بعض الأحوال لكن ذلك غنى قليل وغير دائم.
(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).
عطف على قوله : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) [محمد : ٣٦]. والتولي: الرجوع ، واستعير هنا لاستبدال الإيمان بالكفر ، ولذلك جعل جزاؤه استبدال قوم غيرهم