كما استبدلوا دين الله بدين الشرك.
والاستبدال : التبديل ، فالسين والتاء للمبالغة ، ومفعوله (قَوْماً) أو المستبدل به محذوف دل على تقديره قوله (غَيْرَكُمْ) ، فعلم أن المستبدل به هو ما أضيف إليه (غير) لتعيّن انحصار الاستبدال في شيئين ، فإذا ذكر أحدهما علم الآخر. والتقدير : يستبدل قوما بكم لأن المستعمل في فعل الاستبدال والتبديل أن يكون المفعول هو المعوّض ومجرور الباء هو العوض كقوله : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) تقدم في سورة البقرة [٦١]. وإن كان كلا المتعلقين هو في المعنى معوض وعوض باختلاف الاعتبار ، ولذلك عدل في هذه الآية عن ذكر المجرور بالباء مع المفعول للإيجاز. والمعنى : يتخذ قوما غيركم للإيمان والتقوى ، وهذا لا يقتضي أن الله لا يوجد قوما آخرين إلّا عند ارتداد المخاطبين ، بل المراد: أنكم إن ارتددتم عن الدين كان لله قوم من المؤمنين لا يرتدون وكان لله قوم يدخلون في الإيمان ولا يرتدون.
روى الترمذي عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله هذه الآية «(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ). قالوا : ومن يستبدل بنا؟ قال : فضرب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على منكب سلمان الفارسي ثم قال : هذا وقومه ، هذا وقومه» قال الترمذي حديث غريب. وفي إسناده مقال. وروى الطبراني في «الأوسط» : هذا الحديث على شرط مسلم وزاد فيه «والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس».
وأقول هو يدل على أن فارس إذا آمنوا لا يرتدون وهو من دلائل نبوءة النبي صلىاللهعليهوسلم فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة فيما حكاه الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد ، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي لإفادة الاهتمام بصفة الثبات على الإيمان وعلوّها على مجرد الإيمان ، أي ولا يكونوا أمثالكم في التولّي. والجملة معطوفة ب (ثم) على جملة (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فهي في حيّز جواب الشرط والمعطوف على جواب الشرط بحرف من حروف التشريك يجوز جزمه على العطف ، ويجوز رفعه على الاستئناف. وقد جاء في هذه الآية على الجزم وجاء في قوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران : ١١١] على الرفع. وأبدى الفخر وجها لإيثار الجزم هنا وإيثار الاستئناف هنالك فقال : وهو مع الجواز فيه تدقيق وهو أن هاهنا لا يكون متعلقا بالتولّي لأنهم إن لم يتولوا