واللام في قوله : (لِلْحَقِ) لام العلة وليست لام تعدية فعل القول إلى المقول له أي قال بعض الكافرين لبعض في شأن الذين آمنوا ومن أجل إيمانهم. والحق : هو الآيات ، فعدل عن ضمير الآيات إلى إظهار لفظ الحق للتنبيه على أنها حق وأن رميها بالسحر بهتان عظيم. و (لَمَّا جاءَهُمْ) توقيت لمقالتهم ، أي يقولون ذلك بفور سماع الآيات وكلما جاءتهم ، أي دون تدبر ولا إجالة فكر.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨))
إضراب انتقال إلى نوع آخر من ضلال أقوالهم. وسلك في الانتقال مسلك الإضراب دون أن يكون بالعطف بالواو لأن الاضراب يفيد أن الغرض الذي سينتقل إليه له مزيد اتصال بما قبله ، وأن المعنى : دع قولهم : (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف : ٧] ، واستمع لما هو أعجب وهو قولهم : (افْتَراهُ) ، أي افترى نسبته إلى الله ولم يرد به السحر.
والاستفهام الذي يقدر بعد (أَمْ) للإنكار على مقالتهم. والنفي الذي يقتضيه الاستفهام الانكاري يتسلط على سبب الإنكار ، أي كون القرآن مفترى وليس متسلطا على نسبة القول إليهم لأنه صادر منهم وإنما المنفي الافتراء المزعوم.
والضمير المنصوب في (افْتَراهُ) عائد إلى الحق في قوله : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) [الأحقاف : ٧] ، أو إلى القرآن لعلمه من المقام ، أي افترى القرآن فزعم أنه وحي من عند الله.
وقد أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بجواب مقالتهم بما يقلعها من جذرها ، فكان قوله تعالى :(قُلْ) جملة جارية مجرى جواب المقاولة لوقوعها في مقابلة حكاية قولهم. وقد تقدم ذلك في قوله : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في أوائل سورة البقرة [٣٠].
وجعل الافتراء مفروضا بحرف (إِنِ) الذي شأنه أن يكون شرطه نادر الوقوع إشارة إلى أنه مفروض في مقام مشتمل على دلائل تقلع الشرط من أصله.
وانتصب (شَيْئاً) على المفعولية لفعل (تَمْلِكُونَ) ، أي شيئا يملك ، أي يستطاع ، والمراد : شيء من الدّفع فلا تقدرون على أن تردوا عني شيئا يرد علي من الله. وتقدم معنى (لا أملك شيئا) عند قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ