أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس لما اشتملت عليه من قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) [الفتح : ٢].
وأخرج مسلم والترمذي عن أنس قال : «أنزل على النبي (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) إلى قوله : (فَوْزاً عَظِيماً) [الفتح : ٢ ـ ٥] مرجعه من الحديبية فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لقد أنزلت عليّ آية أحب إليّ مما على وجه الأرض» ثم قرأها.
وهي السورة الثالثة عشرة بعد المائة في ترتيب نزول السور في قول جابر بن زيد. نزلت بعد سورة الصفّ وقبل سورة التوبة. وعدة آيها تسع وعشرون. وسبب نزولها ما رواه الواحدي وابن إسحاق عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : «نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فقال رسول الله : لقد أنزلت علي آية أحب إليّ من الدنيا وما فيها» وفي رواية «من أولها إلى آخرها».
أغراضها
تضمنت هذه السورة بشارة المؤمنين بحسن عاقبة صلح الحديبية وأنه نصر وفتح فنزلت به السكينة في قلوب المسلمين وأزال حزنهم من صدهم عن الاعتمار بالبيت وكان المسلمون عدة لا تغلب من قلة فرأوا أنهم عادوا كالخائبين فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم ، وأن دائرة السوء على المشركين والمنافقين. والتنويه بكرامة النبي صلىاللهعليهوسلم عند ربه ووعده بنصر متعاقب. والثناء على المؤمنين الذين عزروه وبايعوه ، وأن الله قدّم مثلهم في التوراة وفي الإنجيل. ثم ذكر بيعة الحديبية والتنويه بشأن من حضرها. وفضح الذين تخلّفوا عنها من الأعراب ولمزهم بالجبن والطمع وسوء الظن بالله وبالكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومنعهم من المشاركة في غزوة خيبر ، وإنبائهم بأنهم سيدعون إلى جهاد آخر فإن استجابوا غفر لهم تخلفهم عن الحديبية. ووعد النبي صلىاللهعليهوسلم بفتح آخر يعقبه فتح أعظم منه وبفتح مكة. وفيها ذكر بفتح من خيبر كما سيأتي في قوله تعالى : (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) [الفتح : ٢٠].
[١ ـ ٣] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
افتتاح الكلام بحرف (إنّ) ناشئ على ما أحلّ للمسلمين من الكآبة على أن أجيب المشركون إلى سؤالهم الهدنة كما سيأتي من حديث عمر بن الخطاب وما تقدم من حديث