والمعنى : أنه عليم بأسباب الفتح والنصر وعليم بما تطمئن به قلوب المؤمنين بعد البلبلة وأنه حكيم يضع مقتضيات علمه في مواضعها المناسبة وأوقاتها الملائمة.
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥))
اللام للتعليل متعلقة بفعل (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] فما بعد اللام علة لعلة إنزال السكينة فتكون علة لإنزال السكينة أيضا بواسطة أنه علة العلة.
وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع توهم أن يكون الوعد بهذا الإدخال مختصا بالرجال. وإذ كانت صيغة الجمع صيغة المذكر مع ما قد يؤكد هذا التوهم من وقوعه علة أو علة علة للفتح وللنصر وللجنود وكلها من ملابسات الذكور ، وإنما كان للمؤمنات حظ في ذلك لأنهن لا يخلون من مشاركة في تلك الشدائد ممن يقمن منهن على المرضى والجرحى وسقي الجيش وقت القتال ومن صبر بعضهنّ على الثّكل أو التأيّم ، ومن صبرهن على غيبة الأزواج والأبناء وذوي القرابة. والإشارة في قوله (وَكانَ ذلِكَ) إلى المذكور من إدخال الله إياهم الجنة.
والمراد بإدخالهم الجنة إدخال خاص وهو إدخالهم منازل المجاهدين وليس هو الإدخال الذي استحقوه بالإيمان وصالح الأعمال الأخرى. ولذلك عطف عليه (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ).
والفوز : مصدر ، وهو الظفر بالخير والنجاح. و (عِنْدَ اللهِ) متعلّق ب (فَوْزاً) ، أي فازوا عند الله بمعنى : لقوا النجاح والظفر في معاملة الله لهم بالكرامة وتقديمه على متعلقه للاهتمام بهذه المعاملة ذات الكرامة.
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦))
الحديث عن جنود الله في معرض ذكر نصر الله يقتضي لا محالة فريقا مهزوما بتلك الجنود وهم العدو ، فإذا كان النصر الذي قدره الله معلولا بما بشر به المؤمنين فلا جرم اقتضى أنه معلول بما يسوء العدوّ وحزبه ، فذكر الله من علة ذلك النصر أنّه يعذّب بسببه المنافقين حزب العدو ، والمشركين صميم العدوّ ، فكان قوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) معطوفا