أن نكثه عائد عليه بالضرّ كما دلّ عليه حرف على.
و (إِنَّما) للقصر وهو لقصر النكث على مدلول (عَلى نَفْسِهِ) ليراد لا يضر بنكثه إلا نفسه ولا يضر الله شيئا فإن نكث العهد لا يخلو من قصد إضرار بالمنكوث ، فجيء بقصر القلب لقلب قصد الناكث على نفسه دون على النبي صلىاللهعليهوسلم. ويقال : أوفى بالعهد وهي لغة تهامة ، ويقال : وفي بدون همز وهي لغة عامة العرب ، ولم تجيء في القرآن إلا الأولى. قالوا : ولم ينكث أحد ممن بايع.
والظاهر عندي : أن سبب المبايعة قد انعدم بالصلح الواقع بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين أهل مكة وأن هذه الآية نزلت فيما بين ساعة البيعة وبين انعقاد الهدنة وحصل أجر الإيفاء بالنية عدمه لو نزل ما عاهدوا الله عليه. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر ورويس عن يعقوب فسنؤتيه بنون العظمة على الالتفات من الغيبة إلى التكلم. وقرأه الباقون بياء الغيبة عائدا ضميره على اسم الجلالة.
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١))
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)
لمّا حذر من النكث ورغّب في الوفاء أتبع ذلك بذكر التخلف عن الانضمام إلى جيش النبي صلىاللهعليهوسلم حين الخروج إلى عمرة الحديبية وهو ما فعله الأعراب الذين كانوا نازلين حول المدينة وهم ست قبائل : غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والدّيل بعد أن بايعوه على الخروج معه فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أراد المسير إلى العمرة استنفر من حول المدينة منهم ليخرجوا معه فيرهبه أهل مكة فلا يصدّوه عن عمرته فتثاقل أكثرهم عن الخروج معه. وكان من أهل البيعة زيد بن خالد الجهني من جهينة وخرج مع النبي صلىاللهعليهوسلم من أسلم مائة رجل منهم مرداس بن مالك الأسلمي والد عبّاس الشاعر وعبد الله بن أبي أوفى وزاهر بن الأسود ، وأهبان ـ بضم الهمزة ـ بن أوس ، وسلمة بن الأكوع الأسلمي ، ومن غفار خفات ـ بضم الخاء المعجمة ـ بن إيماء ـ بفتح الهمزة ـ بعدها تحتية ساكنة ، ومن مزينة عائذ بن عمرو. وتخلف عن الخروج معه معظمهم وكانوا يومئذ لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ولكنهم لم يكونوا منافقين ، وأعدّوا للمعذرة بعد رجوع النبي صلىاللهعليهوسلم أنهم شغلتهم أموالهم