وأهلوهم ، فأخبر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بما بيتوه في قلوبهم وفضح أمرهم من قبل أن يعتذروا. وهذه من معجزات القرآن بالأخبار التي قبل وقوعه.
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا لمناسبة ذكر الإيفاء والنكث ، فكمل بذكر من تخلفوا عن الداعي للعهد. والمعنى : أنهم يقولون ذلك عند مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة معتذرين كاذبين في اعتذارهم.
والمخلّفون بفتح اللام هم الذين تخلّفوا. وأطلق عليهم المخلفون أي غيرهم خلفهم وراءه ، أي تركهم خلفه ، وليس ذلك بمقتض أنهم مأذون لهم بل المخلف هو المتروك مطلقا. يقال : خلفنا فلانا ، إذا مرّوا به وتركوه لأنهم اعتذروا من قبل خروج النبي صلىاللهعليهوسلم فعذرهم بخلاف الأعراب فإنهم تخلف أكثرهم بعد أن استنفروا ولم يعتذروا حينئذ.
والأموال : الإبل.
وأهلون : جمع أهل على غير قياس لأنه غير مستوفي لشروط الجمع بالواو والنون أو الياء والنون ، فعدّ مما ألحق بجمع المذكر السالم.
ومعنى فاستغفر لنا : اسأل لنا المغفرة من الله إذ كانوا مؤمنين فهو طلب حقيقي لأنهم كانوا مؤمنين ولكنهم ظنوا أن استغفار النبي صلىاللهعليهوسلم لهم يمحو ما أضمروه من النكث وذهلوا عن علم الله بما أضمروه كدأب أهل الجهالة فقد قتل اليهود زكرياء مخافة أن تصدر منه دعوة عليهم حين قتلوا ابنه يحيى ولذلك عقب قولهم هنا بقوله تعالى : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) الآية.
وجملة (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) في موضع الحال. ويجوز أن تكون بدل اشتمال من جملة (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ).
والمعنى : أنهم كاذبون فيما زعموه من الاعتذار ، وإنما كان تخلفهم لظنهم أن النبيصلىاللهعليهوسلم يقصد قتال أهل مكة أو أن أهل مكة مقاتلوه لا محالة وأن الجيش الذين كانوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم لا يستطيعون أن يغلبوا أهل مكة ، فقد روي أنهم قالوا : يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره (١) بالمدينة يعنون غزوة الأحزاب وقتلوا أصحابه فيقاتلهم وظنوا أنه لا ينقلب إلى المدينة وذلك من ضعف يقينهم.
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
__________________
(١) العقر بضم العين وفتحها : الأصل والمكان.