ليستكثروا من فعل الحسنات. وقصدت مفاتحتهم بهذا الإبهام لإلقاء الوجل في قلوبهم أن يغفر لهم ثم سيتبعه بقوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ١٨٩] الآية الذي هو أقرب إلى الإطماع.
و (بَلْ) في قوله : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) إضراب لإبطال قولهم (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا). وبه يزداد مضمون قوله : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) تقريرا لأنه يتضمن إبطالا لعذرهم ، ومن معنى الإبطال يحصل بيان الإجمال الذي في قوله: (كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) إذ يفيد أنه خبير بكذبهم في الاعتذار فلذلك أبطل اعتذارهم بحرف الإبطال.
وتقديم (بِما تَعْمَلُونَ) على متعلّقه لقصد الاهتمام بذكر عملهم هذا. وما صدق (بِما تَعْمَلُونَ) ما اعتقدوه وما ماهوا به من أسباب تخلفهم عن نفير الرسول وكثيرا ما سمّى القرآن الاعتقاد عملا. وفي قوله : (كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) تهديد ووعيد.
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢))
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [الفتح : ١١] ، أي خبيرا بما علمتم ، ومنه ظنكم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون.
وأعيد حرف الإبطال زيادة لتحقيق معنى البدلية كما يكرر العامل في المبدل منه والانقلاب : الرجوع إلى المأوى.
و (أَنْ) مخففة من (أنّ) المشددة واسمها ضمير الشأن وسدّ المصدر مسدّ مفعولي (ظَنَنْتُمْ) ، وجيء بحرف (لَنْ) المفيد استمرار النفي. وأكد بقوله : (أَبَداً) لأن ظنهم كان قويا.
والتزيين : التحسين ، وهو كناية عن قبول ذلك وإنما جعل ذلك الظن مزينا في اعتقادهم لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال ، وهو أن يرجع الرسول صلىاللهعليهوسلم سالما. وهكذا شأن العقول الواهية والنفوس الهاوية أن لا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورة التي تلوح لها في بادئ الرأي. وإنما تلوح لها أول شيء لأنها الصورة المحبوبة ثم يعتريها التزيين في العقل فتلهو عن فرض غيرها فلا تستعد لحدثانه ، ولذلك قيل : حبك