و (بَلْ) هنا للإضراب عن قول الرسول صلىاللهعليهوسلم (لَنْ تَتَّبِعُونا) وهو إضراب إبطال نشأ عن فورة الغضب المخلوط بالجهالة وسوء النظر ، أي ليس بكم الحفاظ على أمر الله ، بل بكم أن لا نقاسمكم في المغانم حسدا لنا على ما نصيب من المغانم.
والحسد : كراهية أن ينال غيرك خيرا معيّنا أو مطلقا سواء كان مع تمني انتقاله إليك أو بدون ذلك ، فالحسد هنا أريد به الحرص على الانفراد بالمغانم وكراهية المشاركة فيها لئلا ينقص سهام الكارهين. وتقدم الحسد عند قوله تعالى : (بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [البقرة : ٩٠] وعند قوله : (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة : ١٠٩] كلاهما في سورة البقرة.
وضمير الرفع مراد به أهل الحديبية ، نسبوهم إلى الحسد لأنهم ظنوا أن الجواب بمنعهم لعدم رضى أهل الحديبية بمشاركتهم في المغانم. ولا يظن بهم أن يريدوا بذلك الضمير شمول النبي صلىاللهعليهوسلم لأن المخلفين كانوا مؤمنين لا يتهمون النبي صلىاللهعليهوسلم بالحسد ولذلك أبطل الله كلامهم بالإضراب الإبطالي فقال : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ، أي ليس قولك لهم ذلك لقصد الاستبشار بالمغانم لأهل الحديبية ولكنه أمر الله وحقه لأهل الحديبية وتأديب للمخلفين ليكونوا عبرة لغيرهم فيما يأتي وهم ظنوه تمالئوا من جيش الحديبية لأنهم لم يفهموا حكمته وسببهم. وإنّما نفى الله عنهم الفهم دون الإيمان لأنهم كانوا مؤمنين ولكنهم كانوا جاهلين بشرائع الإسلام ونظمه.
وأفاد قوله : (لا يَفْقَهُونَ) انتفاء الفهم عنهم لأن الفعل في سياق النفي كالنكرة في سياق النفي يعم ، فلذلك استثنى منه بقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) أي إلا فهما قليلا وإنما قلّله لكون فهمهم مقتصرا على الأمور الواضحة من العاديات لا ينفذ إلى المهمات ودقائق المعاني ، ومن ذلك ظنهم حرمانهم من الالتحاق بجيش غزوة خيبر منبعثا على الحسد. وقد جروا في ظنهم هذا على المعروف من أهل الأنظار القاصرة والنفوس الضئيلة من التوسم في أعمال أهل الكمال بمنظار ما يجدون من دواعي أعمالهم وأعمال خلطائهم.
و (قَلِيلاً) وصف للمستثنى المحذوف ، والتقدير : إلا فقها قليلا.
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦))
انتقال إلى طمأنة المخلفين بأنهم سينالون مغانم في غزوات آتية ليعلموا أن حرمانهم من الخروج إلى خيبر مع جيش الإسلام ليس لانسلاخ الإسلام عنهم ولكنه لحكمة نوط