وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [الأحقاف : ٣٣] لوقوع (أَنَ) العاملة فيه في خبر النفي وهو (أَوَلَمْ يَرَوْا) وكذلك زيادة (من) في قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) [البقرة : ١٠٥] فإن (خَيْرٍ) وقع معمولا لفعل (يُنَزَّلَ) وهو فعل مثبت ولكنه لما انتفت ودادتهم التنزيل صار التنزيل كالمنفي لديهم.
وعطف (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) على جملة (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) لأنه الغرض المسوق له الكلام بخلاف قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ). والمعنى : وما أنا نذير مبين لا مفتر ، فالقصر قصر إضافي ، وهو قصر قلب لردّ قولهم (افْتَراهُ).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))
أعيد الأمر بأن يقول لهم حجة أخرى لعلها تردهم إلى الحق بعد ما تقدم من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأحقاف : ٤] الآية وقوله : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الأحقاف : ٨] وقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] الآية.
وهذا استدراج لهم للوصول إلى الحق في درجات النظر فقد بادأهم بأن ما أحالوه من أن يكون رسولا من عند الله ليس بمحال إذ لم يكن أول الناس جاء برسالة من الله. ثم أعقبه بأن القرآن إذا فرضنا أنه من عند الله وقد كفرتم بذلك كيف يكون حالكم عند الله تعالى.
وأقحم في هذا أنه لو شهد شاهد من أهل الكتاب بوقوع الرسالات ونزول الكتب على الرسل ، وآمن برسالتي كيف يكون انحطاطكم عن درجته ، وقد جاءكم كتاب فأعرضتم عنه ، فهذا كقوله : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام : ١٥٧] ، وهذا تحريك للهمم. ونظير هذه الآية آية سورة فصّلت [٥٢] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) سوى أن هذه أقحم فيها قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) فإن المشركين كانت لهم مخالطة مع بعض اليهود في مكة ولهم صلة بكثير منهم في التجارة بالمدينة وخيبر فلما ظهرت دعوة النبيصلىاللهعليهوسلم كانوا يسألون من لقوه من اليهود عن أمر الأديان والرسل فكان اليهود لا محالة يخبرون المشركين ببعض الأخبار عن رسالة موسى وكتابه وكيف أظهره الله على فرعون. فاليهود وإن كانوا لا يقرّون