و (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) حال من ضمير (آمِنِينَ) وعطف عليه (وَمُقَصِّرِينَ) والتحليق والتقصير كناية عن التمكن من إتمام الحج والعمرة وذلك من استمرار الأمن على أن هذه الحالة حكت ما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في رؤياه ، أي يحلق من رام الحلق ويقصر من رام التقصير ، أي لا يعجلهم الخوف عن الحلق فيقتصروا على التقصير.
وجملة (لا تَخافُونَ) في موضع الحال فيجوز أن تكون مؤكدة ل (آمِنِينَ) تأكيدا بالمرادف للدلالة على أن الأمن كامل محقق ، ويجوز أن تكون حالا مؤسسة على أن (آمِنِينَ) معمول لفعل تدخلن وأن (لا تَخافُونَ) معمول ل (آمِنِينَ) ، أي آمنين أمن من لا يخاف ، أي لا تخافون غدرا. وذلك إيماء إلى أنهم يكونون أشد قوة من عدوّهم الذي أمنهم ، وهذا يومئ إلى حكمة تأخير دخولهم مكة إلى عام قابل حيث يزدادون قوة واستعدادا وهو أظهر في دخولهم عام حجة الوداع.
والفاء في قوله : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) لتفريع الأخبار لا لتفريع المخبر به لأن علم الله سابق على دخولهم وعلى الرؤيا المؤذنة بدخولهم كما تقدم في قوله : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : ١٨].
وفي إيثار فعل جعل في هذا التركيب دون أن يقول : فتح لكم من دون ذلك فتحا قريبا أو نحوه إفادة أن هذا الفتح أمره عجيب ما كان ليحصل مثله لو لا أن الله كونه. وصيغة الماضي في جعل لتنزيل المستقبل المحقق منزلة الماضي ، أو لأن جعل بمعنى قدر. ودون هنا بمعنى غير ، ومن (م) ابتدائية أو بيانية. والمعنى : فجعل فتحا قريبا لكم زيادة على ما وعدكم من دخول مكة آمنين. وهذا الفتح أوله هو فتح خيبر الذي وقع قبل عمرة القضية وهذا القريب من وقت الصلح.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨))
زيادة تحقيق لصدق الرؤيا بأن الذي أرسل رسوله صلىاللهعليهوسلم بهذا الدين ما كان ليريه رؤيا صادقة. فهذه الجملة تأكيد للتحقيق المستفاد من حرف (قد) ولام القسم في قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧]. وبهذا يظهر لك حسن موقع الضمير والموصول في قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) لأن الموصول يفيد العلم بمضمون الصلة غالبا.