بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)
لما بيّن صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم في رؤياه واطمأنت نفوس المؤمنين أعقب ذلك بتنويه شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم والثناء على المؤمنين الذين معه.
و (مُحَمَّدٌ) خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هو محمد يعود هذا الضمير المحذوف على قوله : (رَسُولَهُ) [الفتح : ٢٨] في الآية قبلها. وهذا من حذف المسند الذي وصفه السكاكي بالحذف الذي الاستعمال وارد على ترك المسند إليه وترك نظائره. قال التفتازاني في «المطول» «ومنه قولهم بعد أن يذكروا رجلا : فتى من شأنه كذا وكذا ، وهو أن يذكروا الديار أو المنازل ربع كذا وكذا». ومن أمثلة «المفتاح» لذاك قوله : (فراجعهما) أي العقل السليم والطبع المستقيم في مثل قوله :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي |
|
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت |
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت (١) |
إذ لم يقل : هو فتى.
وهذا المعنى هو الأظهر هنا إذ ليس المقصود إفادة أن محمدا رسول الله وإنما المقصود بيان رسول الله من هو بعد أن أجرى عليه من الأخبار من قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧] إلى قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الفتح : ٢٨] فيعتبر السامع كالمشتاق إلى بيان : من هذا المتحدث عنه بهذه الأخبار؟ فيقال له : محمد رسول الله ، أي هو محمد رسول الله. وهذا من العناية والاهتمام بذكر مناقبه صلىاللهعليهوسلم. فتعتبر الجملة المحذوف مبتدؤها مستأنفة استئنافا بيانيا. وفيه وجوه أخر لا تخفى ، والأحسن منها هذا.
وفي هذا نداء على إبطال جحود المشركين رسالته حين امتنعوا من أن يكتب في صحيفة الصلح «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. وقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت».
__________________
(١) البيتان لعبر الله بن الزبير (بفتح الزاي وكسر الموحدة) الأسدي.