لتطبيق هذه الآية هو البشارة الرمزية التي في الإصحاح الثالث والثلاثين من «سفر التثنية» من قول موسى عليهالسلام : «جاء الرب من سينا وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم فأحبّ الشعب جميع قديسيه وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك» فإن جبل فاران هو حيال الحجاز. وقوله : «فأحب الشعب جميع قديسيه» يشير إليه قوله : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، وقد تقدم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ما ينطبق على هذا من سورة الفتح وقوله : قديسيه يفيد معنى (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) [الفتح : ٢٩] ومعنى (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : ٢٩]. وقوله في «التوراة» «جالسون عند قدمك» يفيد معنى قوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) [الحشر : ٨]. ويكون قوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من الوصف.
(وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ).
ابتداء كلام مبتدأ. ويكون الوقف على قوله : (فِي التَّوْراةِ) والتشبيه في قوله : (كَزَرْعٍ) خبره ، وهو المثل. وهذا هو الظاهر من سياق الآية فيكون مشيرا إلى نحو قوله في «إنجيل متى» الإصحاح ١٣ فقرة ٣ «هو ذا الزارع قد خرج ليزرع يعني عيسى عليهالسلام وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فجاءت الطيور وأكلته» إلى أن قال «وسقط الآخر على الأرض الجيدة فأعطى ثمره بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين». قال فقرة ، ثم قال: «وأما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم ، وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعض مائة وبعض ستين وآخر ثلاثين». وهذا يتضمن نماء الإيمان في قلوبهم وبأنهم يدعون الناس إلى الدين حتى يكثر المؤمنون كما تنبت الحبة مائة سنبلة وكما تنبت من النواة الشجرة العظيمة.
وفي قوله : (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) استعارة الإخراج إلى تفرع الفراخ من الحبة لمشابهة التفرع بالخروج ومشابهة الأصل المتفرع عنه بالذي يخرج شيئا من مكان.
والشطء بهمزة في آخره وسكون الطاء : فراخ الزرع وفروع الحبّة. ويقال : أشطأ الزرع ، إذا أخرج فروعا. وقرأه الجمهور بسكون الطاء وبالهمزة وقرأه ابن كثير (شَطْأَهُ) بفتح الطاء بعدها ألف على تخفيف الهمزة ألفا.
و (فَآزَرَهُ) قوّاه ، وهو من المؤازرة بالهمز وهي المعاونة وهو مشتق من اسم الإزار لأنه يشد ظهر المتّزر به ويعينه شده على العمل والحمل كذا قيل. والأظهر عندي عكس ذلك وهو أن يكون الإزار مشتقا اسمه من : آزر ، لأن الاشتقاق من الأسماء الجامدة نادر