إنباء لهم بما كانوا يتساءلون به مع اليهود. وبهذا فسر الشعبي ومسروق واختاره ابن عبد البر في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الله بن سلام فالخطاب في قوله : (أَرَأَيْتُمْ) وما بعده موجه إلى المشركين من أهل مكة ، وقال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة : المراد ب (شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) عبد الله بن سلام. وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أنه قال : فيّ نزلت آيات من كتاب الله (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الآية.
ومثل قول قتادة ومجاهد وعكرمة روي عن ابن زيد ومالك بن أنس وسفيان الثوري ووقع في «صحيح البخاري» في باب فضل عبد الله بن سلام حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن سعد بن أبي وقاص قال : وفيه نزلت هذه الآية (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) الآية ، قال عبد الله بن يوسف : لا أدري قال مالك : الآية أو في الحديث. قال مسروق : ليس هو ابن سلام لأنه أسلم بالمدينة والسورة مكية ، وقال الشعبي مثله. ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وأمر بوضعها في سورة الأحقاف ، وعلى هذا يكون الخطاب في قوله : (أَرَأَيْتُمْ) وما بعده لأهل الكتاب بالمدينة وما حولها. وعندي أنه يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم بما سيقع من إيمان عبد الله بن سلام فيكون هو المراد ب (شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) وإن كانت الآية مكية.
والظاهر أن مثل هذه الآية هو الذي جرّأ المشركين على إنكار نزول الوحي على موسى وغيره من الرسل فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [سبأ : ٣١] وقالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] حين علموا أن قد لزمتهم الحجة بنزول ما سلف من الكتب قبل القرآن.
وجملة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تعليل للكلام المحذوف الدال عليه ما قبله ما علمته آنفا ، أي ضللتم ضلالا لا يرجى له زوال لأنكم ظالمون والله لا يهدي القوم الظالمين. وهذا تسجيل عليهم بظلمهم أنفسهم. وجيء في الشرط بحرف (إِنْ) الذي شأنه أن يكون في الشرط غير المجزوم بوقوعه مجاراة لحال المخاطبين استنزالا لطائر جماحهم لينزلوا للتأمل والمحاورة.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ).