الافتتاح بنداء المؤمنين للتنبيه على أهمية ما يرد بعد ذلك النداء لتترقبه أسماعهم بشوق. ووصفهم ب (الَّذِينَ آمَنُوا) جار مجرى اللقب لهم مع ما يؤذن به أصله من أهليتهم لتلقي هذا النهي بالامتثال.
وقد تقدم عند الكلام على أغراض السورة أن الفخر ذكر أن الله أرشد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق ، وهي إما في جانب الله أو جانب رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أو بجانب الفساق أو بجانب المؤمن الحاضر أو بجانب المؤمن الغائب ، فهذه خمسة أقسام ، فذكر الله في هذه السورة خمس مرات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرشد في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة إلخ ، فهذا النداء الأول اندرج فيه واجب الأدب مع الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم تعرض الغفلة عنها.
والتقدم حقيقته : المشي قبل الغير ، وفعله المجرد : قدم من باب نصر قال تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [هود : ٩٨]. وحق قدم بالتضعيف أن يصير متعديا إلى مفعولين لكن ذلك لم يرد وإنما يعدّى إلى المفعول الثاني بحرف على.
ويقال : قدّم بمعنى تقدم كأنه قدّم نفسه ، فهو مضاعف صار غير متعد. فمعنى (لا تُقَدِّمُوا) لا تتقدموا.
ففعل (لا تُقَدِّمُوا) مضارع قدّم القاصر بمعنى تقدم على غيره وليس لهذا الفعل مفعول ، ومنه اشتقت مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه وهي ضد الساقة. ومنه سميت مقدمة الكتاب الطائفة منه المتقدمة على الكتاب. ومادة فعّل تجيء بمعنى تفعّل مثل وجّه بمعنى توجّه وبيّن بمعنى تبيّن ، ومن أمثالهم بيّن الصبح لذي عينين.
والتركيب تمثيل بتشبيه حال من يفعل فعلا دون إذن من الله ورسولهصلىاللهعليهوسلم بحال من يتقدم مماشيه في مشيه ويتركه خلفه. ووجه الشبه الانفراد عنه في الطريق. والنهي هنا للتحذير إذ لم يسبق صدور فعل من أحد افتياتا على الشرع.
ويستروح من هذا أن هذا التقدم المنهي عنه هو ما كان في حالة إمكان الترقب والتمكن من انتظار ما يبرمه الرسول صلىاللهعليهوسلم بأمر الله فيومئ إلى أن إبرام الأمر في غيبة الرسولصلىاللهعليهوسلم لا حرج فيه.
وهذه الآية تؤيد قول الفقهاء : إن المكلف لا يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه. وعدّ الغزالي العلم بحكم ما يقدم عليه المكلف من قسم العلوم التي هي فرض على