الأعيان الذين تعرض لهم. والمقصود من الآية النهي عن إبرام شيء دون إذن من رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فذكر قبله اسم الله للتنبيه على أن مراد الله إنما يعرف من قبل الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقد حصل من قوله : (لا تُقَدِّمُوا) إلخ معنى اتبعوا الله ورسوله.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري في «صحيحه» في قصة وفد بني تميم بسنده إلى ابن الزبير قال «قدم ركب من بني تميم على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر : أمّر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة. وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر : ما أردت إلّا خلافي أو إلى خلافي قال عمر : ما أردت خلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ) النبي (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ١ ، ٢].
فهذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم والجهر له بالقول وندائه من وراء الحجرات. وعن الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت بسبب بعث رسول اللهصلىاللهعليهوسلم سرية فقتلت بنو عامر رجال السرية إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بين سليم فسألوهما عن نسبتهما فاعتزيا إلى بني عامر ظنّا منهما أن هذا الاعتزاء أنجى لهما من شر توقعاه لأن بني عامر أعزّ من بني سليم ، فقتلوا النفر الثلاثة وسلبوهما ثم أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبروه فقال : «بئسما صنعتم كانا من بني سليم ، والسلب ما كسوتهما» أي عرف ذلك لما رأى السلب فعرفه بأنه كساهما إياه وكانت تلك الكسوة علامة على الإسلام لئلا يتعرض لهم المسلمون فوادهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) الآية ، أي لا تعملوا شيئا من تلقاء أنفسكم في التصرف من الأمة إلا بعد أن تستأمروا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وعلى هذه الرواية تكون القصة جرت قبيل قصة بني تميم فقرنت آيتاهما في النزول. وهنالك روايات أخرى في سبب نزولها لا تناسب موقع الآية مع الآيات المتصلة بها. وأيّا ما كان سبب نزولها فهي عامة في النهي عن جميع أحوال التقدم المراد.
وجعلت هذه الآية في صدر السورة مقدّمة على توبيخ وفد بني تميم حين نادوا النبيصلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات لأن ما صدر من بني تميم هو من قبيل رفع الصوت عند النبيصلىاللهعليهوسلم ولأن مماراة أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما كانت في قضية بني تميم فكانت هذه الآية تمهيدا لقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ) النبي الآية ، لأن من خصه الله بهذه الحظوة ، أي جعل إبرام العمل بدون أمره كإبرامه بدون أمر