«وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلمّ». وتقدم في سورة المائدة قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة : ٥].
وظاهر الآية التحذير من حبط جميع الأعمال لأن الجمع المضاف من صيغ العموم ولا يكون حبط جميع الأعمال إلا في حالة الكفر لأن الأعمال الإيمان فمعنى الآية : أن عدم الاحتراز من سوء الأدب مع النبي صلىاللهعليهوسلم بعد هذا النهي قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم يأتي على عظيم من صالحاته أو يفضي به إلى الكفر. قال ابن عطية : أي يكون ذلك سببا إلى الوحشة في نفوسكم فلا تزال معتقداتكم تتدرج القهقرى حتى يؤول ذلك إلى الكفر فحبط الأعمال. وأقول : لأن عدم الانتهاء عن سوء الأدب مع الرسول صلىاللهعليهوسلم يعود النفس بالاسترسال فيه فلا تزال تزداد منه وينقص توفير الرسول صلىاللهعليهوسلم من النفس وتتولى من سيّئ إلى أشد منه حتى يؤول إلى عدم الاكتراث بالتأدب معه وذلك كفر. وهذا معنى (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) لأن المنتقل من سيّئ إلى أسوأ لا يشعر بأنه آخذ في التملّي من السوء بحكم التعوّد بالشيء قليلا قليلا حتى تغمره المعاصي وربّما كان آخرها الكفر حين تضرى النفس بالإقدام على ذلك. ويجوز أن يراد حبط بعض الأعمال على أنه عام مراد به الخصوص فيكون المعنى حصول حطيطة في أعمالهم بغلبة عظم ذنب جهرهم له بالقول ، وهذا مجمل لا يعلم مقدار الحبط إلا الله تعالى.
ففي قوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) تنبيه إلى مزيد الحذر من هذه المهلكات حتى يصير ذلك دربة حتى يصل إلى ما يحبط الأعمال ، وليس عدم الشعور كائنا في إتيان الفعل المنهي عنه لأنه لو كان كذلك لكان صاحبه غير مكلف لامتناع تكليف الغافل ونحوه.
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣))
عن ابن عباس لما نزل قوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) [الحجرات : ٢] كان أبو بكر لا يكلم رسول الله إلا كأخي السّرار ، أي مصاحب السرّ من الكلام ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) الآية. فهذه الجملة استئناف بياني لأن التحذير الذي في قوله : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) [الحجرات : ٢] إلخ يثير في النفس أن يسأل سائل عن ضد حال الذي يرفع صوته.
وافتتاح الكلام بحرف التأكيد للاهتمام بمضمونه من الثناء عليهم وجزاء عملهم ،