الإعلام بمبلغ عزة رسول الله وقدر شرف منزلته» ا ه. وهذا الوعد والثناء يشملان ابتداء أبا بكر وعمر إذ كان كلاهما يكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأخي السّرار.
[٤ ، ٥] (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))
هذه الجملة بيان لجملة (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) [الحجرات : ٢] بيانا بالمثال وهو سبب النزول. فهذا شروع في الغرض والذي نشأ عنه ما أوجب نزول صدر السورة فافتتح به لأن التحذير والوعد اللذين جعلا لأجله صالحان لأن يكونا مقدمة للمقصود فحصل بذلك نسج بديع وإيجاز جليل وإن خالف ترتيب ذكره ترتيب حصوله في الخارج ، وقد صادف هذا الترتيب المحز أيضا إذ كان نداؤهم من وراء الحجرات من قبيل الجهر للرسول صلىاللهعليهوسلم بالقول كجهر بعضهم لبعض فكان النهي عن الجهر له بالقول تخلصا لذكر ندائه من وراء الحجرات.
والمراد بالذين ينادون النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات جماعة من وفد بني تميم جاءوا المدينة في سنة تسع وهي سنة الوفود وكانوا سبعين رجلا أو أكثر. وكان سبب وفود هذا الوفد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أن بني العنبر منهم كانوا قد شهروا السلاح على خزاعة ، وقيل كانوا منعوا إخوانهم بني كعب بن العنبر بن عمرو بن تميم من إعطاء الزكاة ، وكان بنو كعب قد أسلموا من قبل ولم أقف على وقت إسلامهم ، والظاهر أنهم أسلموا في سنة الوفود فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشر بن سفيان ساعيا لقبض صدقات بني كعب ، فمنعهم بنو العنبر فبعث النبي صلىاللهعليهوسلم عيينة بن حصن في خمسين من العرب ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا. فجاء في أثرهم جماعة من رؤسائهم لفدائهم فجاءوا المدينة. وكان خطيبهم عطارد بن حاجب بن زرارة ، وفيهم سادتهم الزبرقان بن بدر ، وعمرو بن الأهتم ، والأقرع بن حابس ، ومعهم عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني وكان هذان الأخيران أسلما من قبل وشهدا مع النبي صلىاللهعليهوسلم غزوة الفتح ، ثم جاء معهم الوفد فلما دخل الوفد المسجد وكان وقت القائلة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم نائم في حجرته ، نادوا جميعا وراء الحجرات : يا محمد اخرج إلينا ثلاثا ، فإن مدحنا زين ، وإن ذمنا شين ، نحن أكرم العرب سلكوا في عملهم هذا مسلك وفود العرب على الملوك والسادة ، كانوا يأتون بيت الملك أو السيد فيطيفون به ينادون ليؤذن لهم كما ورد في قصة ورود النابغة على النعمان بن الحارث الغساني.