حرف (أن) فإنه ملتزم حذفه بعد (حَتَّى) بخلافه بعد (إلى) فلا يجوز حذفه.
وفي تعقيب هذا اللوم بقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) إشارة إلى أنه تعالى لم يحص عليهم ذنبا فيما فعلوا ولا عرّض لهم بتوبة. والمعنى : والله شأنه التجاوز عن مثل ذلك رحمة بالناس لأن القوم كانوا جاهلين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦))
هذا نداء ثالث ابتدئ به غرض آخر وهو آداب جماعات المؤمنين بعضهم مع بعض وقد تضافرت الروايات عند المفسرين عن أم سلمة وابن عباس والحارث بن ضرارة الخزاعي أن هذه الآية نزلت عن سبب قضية حدثت. ذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة ليأتي بصدقاتهم فلمّا بلغهم مجيئه ، أو لمّا استبطئوا مجيئه ، فإنهم خرجوا لتلقيه أو خرجوا ليبلغوا صدقاتهم بأنفسهم وعليهم السلاح ، وأن الوليد بلغه أنهم خرجوا إليه بتلك الحالة وهي حالة غير مألوفة في تلقي المصدقين وحدثته نفسه أنهم يريدون قتله ، أو لما رآهم مقبلين كذلك على اختلاف الروايات خاف أن يكونوا أرادوا قتله إذ كانت بينه وبينهم شحناء من زمن الجاهلية فولّى راجعا إلى المدينة.
هذا ما جاء في روايات أربع متفقة في صفة خروجهم إليه مع اختلافها في بيان الباعث لهم على ذلك الخروج وفي أن الوليد أعلم بخروجهم إليه أو رآهم أو استشعرت نفسه خوفا وأن الوليد جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن بني المصطلق أرادوا قتلي وأنهم منعوا الزكاة فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهمّ أن يبعث إليهم خالد بن الوليد لينظر في أمرهم ، وفي رواية أنه بعث خالدا وأمره بأن لا يغزوهم حتى يستثبت أمرهم وأن خالدا لما بلغ ديار القوم بعث عينا له ينظر حالهم فأخبره أنهم يقيمون الأذان والصلاة فأخبرهم بما بلغ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عنهم وقبض زكاتهم وقفل راجعا. وفي رواية أخرى أنهم ظنوا من رجوع الوليد أن يظن بهم منع الصدقات فجاءوا النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يخرج خالد إليهم متبرءين من منع الزكاة ونية الفتك بالوليد بن عقبة. وفي رواية أنهم لما وصلوا إلى المدينة وجدوا الجيش خارجا إلى غزوهم. فهذا تلخيص هذه الروايات وهي بأسانيد ليس منها شيء في «الصحيح».
وقد روي أن سبب نزول هذه الآية قضيتان أخريان ، وهذا أشهر. ولنشتغل الآن