معنى كلمة الأصل العقلي دون الشرعي ، وقد قيل : إن عمر بن الخطاب كان قال :«المسلمون عدول بعضهم عن بعض» وأنه لما بلغه ظهور شهادة الزور رجع فقال : «لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول». ويستثنى من هذا أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فإن الأصل أنهم عدول حتى يثبت خلاف ذلك بوجه لا خلاف فيه في الدين ولا يختلف فيه اجتهاد المجتهدين. وإنما تفيد الآية هذا الأصل إذا حمل معنى الفاسق على ما يشمل المتهم بالفسق.
المسألة الرابعة : دل قوله : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) أنه تحذير من الوقوع فيما يوجب الندم شرعا ، أي ما يوجب التوبة من تلك الإصابة ، فكان هذا كناية عن الإثم في تلك الإصابة فحذر ولاة الأمور من أن يصيبوا أحدا بضر أو عقاب أو حد أو غرم دون تبيّن وتحقق توجه ما يوجب تسليط تلك الإصابة عليه بوجه يوجب اليقين أو غلبة الظن وما دون ذلك فهو تقصير يؤاخذ عليه ، وله مراتب بينها العلماء في حكم خطها القاضي وصفة المخطئ وما ينقض من أحكامه. وتقديم المجرور على متعلّقه في قوله : (عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) للاهتمام بذلك الفعل ، وهو الإصابة بدون تثبت والتنبيه على خطر أمره.
[٧ ، ٨] (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨))
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ).
عطف على جملة (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) [الحجرات : ٦] عطف تشريع على تشريع وليس مضمونها تكملة لمضمون جملة (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) إلخ بل هي جملة مستقلة.
وابتداء الجملة ب (اعْلَمُوا) للاهتمام ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) في سورة البقرة [٢٣٥]. وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) في الأنفال [٤١].
وقوله : (أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) إن خبر مستعمل في الإيقاظ والتحذير على وجه الكناية. فإن كون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين ظهرانيهم أمر معلوم لا يخبر عنه. فالمقصود تعليم المسلمين باتباع ما شرع لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأحكام ولو كانت غير موافقة لرغباتهم.