الكاذب المتشفي برغبته تارة فيلحق عنت من كذب غيره تارة أخرى.
(وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)).
الاستدراك المستفاد من (لكِنَ) ناشئ عن قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) لأنه اقتضى أن لبعضهم رغبة في أن يطيعهم الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يرغبون أن يفعله مما يبتغون مما يخالونه صالحا بهم في أشياء كثيرة تعرض لهم. والمعنى : ولكن الله لا يأمر رسوله إلا بما فيه صلاح العاقبة وإن لم يصادف رغباتكم العاجلة وذلك فيما شرعه الله من الأحكام ، فالإيمان هنا مراد منه أحكام الإسلام وليس مرادا منه الاعتقاد ، فإن اسم الإيمان واسم الإسلام يتواردان ، أي حبب إليكم الإيمان الذي هو الدين الذي جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وهذا تحريض على التسليم لما يأمر به الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو في معنى قوله تعالى : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥] ، ولذا فكونه حبّب إليهم الإيمان إدماج وإيجاز. والتقدير : ولكن الله شرع لكم الإسلام وحببه إليكم أي دعاكم إلى حبه والرضى به فامتثلتم.
وفي قوله : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) تعريض بأن الذين لا يطيعون الرسول صلىاللهعليهوسلم فيهم بقية من الكفر والفسوق ، قال تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) إلى قوله : (هُمُ الظَّالِمُونَ) [النور : ٤٨ ـ ٥٠]. والمقصود من هذا أن يتركوا ما ليس من أحكام الإيمان فهو من قبيل قوله (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [الحجرات : ١١] تحذيرا لهم من الحياد عن مهيع الإيمان وتجنيبا لهم ما هو من شأن أهل الكفر.
فالخبر في قوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) إلى قوله : (وَالْعِصْيانَ) مستعمل في الإلهاب وتحريك الهمم لمراعاة محبة الإيمان وكراهة الكفر والفسوق والعصيان ، أي إن كنتم أحببتم الإيمان وكرهتم الكفر والفسوق والعصيان فلا ترغبوا في حصول ما ترغبونه إذا كان الدين يصد عنه وكان الفسوق والعصيان يدعو إليه. وفي هذا إشارة إلى أن الاندفاع إلى تحصيل المرغوب من الهوى دون تمييز بين ما يرضي الله وما لا يرضيه أثر من آثار الجاهلية من آثار الكفر والفسوق والعصيان.
وذكر اسم الله في صدر جملة الاستدراك دون ضمير المتكلم لما يشعر به اسم الجلالة من المهابة والروعة. وما يقتضيه من واجب اقتبال ما حبّب إليه ونبذ ما كرّه إليه.