وعدي فعلا (حَبَّبَ) و (كَرَّهَ) بحرف (إلى) لتضمينهما معنى بلّغ ، أي بلغ إليكم حب الإيمان وكره الكفر. ولم يعدّ فعل (وَزَيَّنَهُ) بحرف (إلى) مثل فعلي (حَبَّبَ) و (كَرَّهَ) ، للإيماء إلى أنه لما رغّبهم في الإيمان وكرههم الكفر امتثلوا فأحبّوا الإيمان وزان في قلوبهم. والتزيين : جعل الشيء زينا ، أي حسنا قال عمر بن أبي ربيعة :
أجمعت خلتي مع الفجر بينا |
|
جلل الله ذلك الوجه زينا |
وجملة (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) معترضة للمدح. والإشارة ب (أُولئِكَ) إلى ضمير المخاطبين في قوله : (إِلَيْكُمُ) مرتين وفي قوله : (قُلُوبِكُمْ) أي الذين أحبّوا الإيمان وتزينت به قلوبهم ، وكرهوا الكفر والفسوق والعصيان هم الراشدون ، أي هم المستقيمون على طريق الحق.
وأفاد ضمير الفصل القصر وهو قصر إفراد إشارة إلى أن بينهم فريقا ليسوا براشدين وهم الذين تلبسوا بالفسق حين تلبسهم به فإن أقلعوا عنه التحقوا بالراشدين.
وانتصب (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) على المفعول المطلق المبين للنوع من أفعال (حَبَّبَ) وزين (وَكَرَّهَ) لأن ذلك التحبيب والتزيين والتّكريه من نوع الفضل والنعمة.
وجملة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تذييل لجملة (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) إلى آخرها إشارة إلى أن ما ذكر فيها من آثار علم الله وحكمته .. والواو اعتراضية.
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩))
لما جرى قوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) [الحجرات : ٦] الآية كان مما يصدق عليه إصابة قوم أن تقع الإصابة بين طائفتين من المؤمنين لأن من الأخبار الكاذبة أخبار النميمة بين القبائل وخطرها أكبر مما يجري بين الأفراد والتبين فيها أعسر ، وقد لا يحصل التبيّن إلا بعد أن تستعر نار الفتنة ولا تجدي الندامة. وفي «الصحيحين» عن أنس بن مالك : أن الآية نزلت في قصة مرور رسول الله صلىاللهعليهوسلم على مجلس فيه عبد الله بن أبيّ بن سلول ورسول الله صلىاللهعليهوسلم على حمار فوقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبال الحمار ، فقال عبد الله بن أبيّ: خلّ سبيل حمارك فقد آذانا نتنه. فقال له عبد الله بن رواحة : والله إن بول حماره لأطيب من مسكك فاستبّا وتجالدا وجاء قوماهما الأوس والخزرج ، فتجالدوا بالنعال والسعف فرجع إليهم