سخرية القبائل بعضها من بعض فوجّه النهي إلى الأقوام. ولهذا أيضا لم يقل : لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة. ويفهم منه النهي عن أن يسخر أحد من أحد بطريق لحن الخطاب. وهذا النهي صريح في التحريم.
وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكلام ، كما يشمل لفظ المؤمنين والمؤمنات في اصطلاح القرآن بقرينة مقام التشريع ، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به دفعا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ كان الاستسخار متأصلا في النساء ، فلأجل دفع التوهم الناشئ من هذين السيئين على نحو ما تقدم في قوله من آية القصاص (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) في سورة العقود [١٧٨].
وجملة (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) مستأنفة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين تفيد المبالغة في النهي عن السخرية بذكر حالة يكثر وجودها في المسخورية ، فتكون سخرية الساخر أفظع من الساخر ، ولأنه يثير انفعال الحياء في نفس الساخرة بينه وبين نفسه. وليست جملة (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) صفة لقوم من قومه : (مِنْ قَوْمٍ) وإلا لصار النهي عن السخرية خاصا بما إذا كان المسخور به مظنة أنه خير من الساخر ، وكذلك القول في جملة (عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) وليست صفة ل (نِساءٌ) من قوله : (مِنْ نِساءٍ).
وتشابه الضميرين في قوله : (أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وفي قوله : (أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) لا لبس فيه لظهور مرجع كل ضمير ، فهو كالضمائر في قوله تعالى : (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) في سورة الروم [٩] ، وقول عباس بن مرداس :
عدنا ولو لا نحن أحدق جمعهم |
|
بالمسلمين وأحرزوا ما جمّعوا |
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).
اللمز : ذكر ما يعده الذاكر عيبا لأحد مواجهة فهو المباشرة بالمكروه. فإن كان بحق فهو وقاحة واعتداء ، وإن كان باطلا فهو وقاحة وكذب ، وكان شائعا بين العرب في جاهليتهم قال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١] يعني نفرا من المشركين كان دأبهم لمز رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويكون بحالة بين الإشارة والكلام بتحريك الشفتين بكلام خفيّ يعرف منه المواجه به أنه يذمّ أو يتوعد ، أو يتنقص باحتمالات كثيرة ، وهو غير النبز وغير الغيبة.