وللمفسرين وكتب اللغة اضطراب في شرح معنى اللمز وهذا الذي ذكرته هو المنخول من ذلك.
ومعنى (لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) لا يلمز بعضكم بعضا فنزّل البعض الملموز نفسا للامزه لتقرر معنى الأخوة ، وقد تقدم نظيره عند قوله : (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) في سورة البقرة [٨٤].
والتنابز : نبز بعضهم بعضا ، والنبز بسكون الباء : ذكر النبز بتحريك الباء وهو اللقب السوء ، كقولهم : أنف الناقة ، وقرقور ، وبطة. وكان غالب الألقاب في الجاهلية نبزا. قال بعض الفزاريين :
أكنيه حين أناديه لأكرمه |
|
ولا ألقبه والسّوءة اللقب |
روي برفع السوأة اللقب فيكون جريا على الأغلب عندهم في اللقب وأنه سوأة. ورواه «ديوان الحماسة» بنصب السوأة على أن الواو واو المعية. وروي بالسوأة اللقبا أي لا ألقبه لقبا ملابسا للسوءة فيكون أراد تجنب بعض اللقب وهو ما يدل على سوء ورواية الرفع أرجح وهي التي يقتضيها استشهاد سيبويه ببيت بعده في باب ظن. ولعل ما وقع في «ديوان الحماسة» من تغييرات أبي تمام التي نسب إليه بعضها في بعض أبيات الحماسة لأنه رأى النصب أصح معنى.
فالمراد (بِالْأَلْقابِ) في الآية الألقاب المكروهة بقرينة (وَلا تَنابَزُوا). واللقب ما أشعر بخسّة أو شرف سواء كان ملقبا به صاحبه أم اخترعه له النابز له.
وقد خصص النهي في الآية (بِالْأَلْقابِ) التي لم يتقادم عهدها حتى صارت كالأسماء لأصحابها وتنوسي منها قصد الذم والسب خصّ بما وقع في كثير من الأحاديث كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أصدق ذو اليدين» ، وقوله لأبي هريرة «يا أبا هرّ» ، ولقب شاول ملك إسرائيل في القرآن طالوت ، وقول المحدثين الأعرج لعبد الرحمن بن هرمز ، والأعمش لسليمان من مهران.
وإنما قال (وَلا تَلْمِزُوا) بصيغة الفعل الواقع من جانب واحد وقال : (وَلا تَنابَزُوا) بصيغة الفعل الواقع من جانبين ، لأن اللمز قليل الحصول فهو كثير في الجاهلية في قبائل كثيرة منهم بنو سلمة بالمدينة قاله ابن عطية.
(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).