المتبعين لما تضمنه من أسباب الخير في الدنيا والآخرة.
ووصف الكتاب بالمصدر مبالغة في الاستعارة ، وموسى أيضا رحمة لرسالته كما وصف محمد صلىاللهعليهوسلم بذلك في قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
وقوله : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) إلخ هو المقيس على (كِتابُ مُوسى). والإشارة إلى القرآن لأنه حاضر بالذكر فهو كالحاضر بالذات.
والمصدّق : المخبر بصدق غيره. وحذف مفعول المصدّق ليشمل جميع الكتب السماوية ، قال تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أي مخبر بأحقيّة كل المقاصد التي جاءت بها الكتب السماوية السالفة. وهذا ثناء عظيم على القرآن بأنه احتوى على كل ما في الكتب السماوية وجاء مغنيا عنها ومبينا لما فيها. والتصديق يشعر بأنه حاكم على ما اختلف فيه منها. وما حرّف فهمه بها قال تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨].
وزاده ثناء بكونه (لِساناً عَرَبِيًّا) ، أي لغة عربيّة فإنها أفصح اللغات وأنفذها في نفوس السامعين وأحب اللغات للناس ، فإنها أشرف وأبلغ وأفصح من اللغة التي جاء بها كتاب موسى ، ومن اللغة التي تكلّم بها عيسى ودوّنها أتباعه أصحاب الأناجيل. وأدمج لفظ (لِساناً) للدلالة على أن المراد بعربيته عربية ألفاظه لا عربيّة أخلاقه وتعاليمه لأن أخلاق العرب يومئذ مختلطة من محاسن ومساو فلما جاء الإسلام نفى عنها المساوي ، ولذلكقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق». وغلب إطلاق اللسان على اللغة لأن أشرف ما يستعمل فيه اللسان هو الكلام قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤] ، وقال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) [مريم : ٩٧].
وقوله : لتنذر (الَّذِينَ ظَلَمُوا) يجوز أن يتعلق ب (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) لأن ما سبقه مشتمل على الإنذار والبشارة والأحسن أن يتعلق بما في (كِتابُ) من معنى الإرشاد المشتمل على الإنذار والبشارة. وهذا أحسن ليكون لتنذر علة للكتاب باعتبار صفته وحاله.
والذين ظلموا هم المشركون (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ويلحق بهم الذين ظلموا أنفسهم من المؤمنين ولذلك قوبل بالمحسنين وهم المؤمنون الأتقياء لأن المراد ظلم النفس ويقابله الإحسان. والنّذارة مراتب والبشارة مثلها.