محارب خصفة وهوازن وغطفان. يفدون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويروحون بهذه المقالة ويمنّون عليه ويريدون أن يصرف إليهم الصدقات ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلى آخر السورة لوقوع القصتين قصة وفد بني تميم وقصة وفد بني أسد في أيام متقاربة ، والأغراض المسكوّة بالجفاء متناسبة. وقال السدّي : نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح [١١] في قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) الآية.
قالوا آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فنزلت هذه الآية.
والأعراب : سكان البادية من العرب. وأحسب أنه لا يطلق على أهل البادية من غير العرب ، وهو اسم جمع لا مفرد له فيكون الواحد منه بياء النسبة أعرابي.
وتعريف (الْأَعْرابُ) تعريف العهد لإعراب معينين وهم بنو أسد فليس هذا الحكم الذي في الآية حاقا على جميع سكان البوادي ولا قال هذا القول غير بني أسد.
وهم قالوا آمنا حين كانوا في شك لم يتمكن الإيمان منهم فأنبأهم الله بما في قلوبهم وأعلمهم أن الإيمان هو التصديق بالقلب لا بمجرد اللسان لقصد أن يخلصوا إيمانهم ويتمكنوا منه كما بينه عقب هذه الآية بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) الآية.
والاستدراك بحرف (لكن) لرفع ما يتوهم من قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) أنهم جاءوا مضمرين الغدر بالنبيء صلىاللهعليهوسلم. وإنما قال : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) تعليما لهم بالفرق بين الإيمان والإسلام فإن الإسلام مقرّه اللسان والأعمال البدنية ، وهي قواعد الإسلام الأربعة : الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج الكعبة الوارد في حديث عمر عن سؤال جبريل النبيصلىاللهعليهوسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتأتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» فهؤلاء الأعراب لما جاءوا مظهرين الإسلام وكانت قلوبهم غير مطمئنة لعقائد الإيمان لأنهم حديثو عهد به كذبهم الله في قولهم (آمَنَّا) ليعلموا أنهم لم يخف باطنهم على الله ، وأنه لا يتعدّ بالإسلام إلا إذا قارنه الإيمان ، فلا يغني أحدهما بدون الآخر ، فالإيمان بدون إسلام عناد ، والإسلام بدون إيمان نفاق ، ويجمعهما طاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
وكان مقتضى ظاهر نظم الكلام أن يقال : قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم ، أو أن يقال: