و (بُشْرى) عطف على (مُصَدِّقٌ) ، والتقدير : وهو بشرى للمحسنين ، أي الكتاب ، وهذا النظم يجعل الجملة بمنزلة الاحتراس والتتميم.
وقرأ نافع وابن عامر والبزّي عن ابن كثير ويعقوب لتنذر بالمثناة الفوقية خطابا للرسولصلىاللهعليهوسلم فيحصل وصف الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه منذر ووصف كتابه بأنه (بُشْرى) وفيه احتباك. وقرأه الجمهور بالمثناة التحتية على أنه خبر عن الكتاب فإسناد الإنذار إلى الكتاب مجاز عقلي.
[١٣ ، ١٤] (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤))
استئناف بياني أوثر بصريحه جانب المؤمنين من المستمعين للقرآن لأنهم لما سمعوا البشرى تطلعوا إلى صفة البشرى وتعيين المحسنين ليضعوا أنفسهم في حق مواضعها ، فأجيبوا بأن البشرى هي نفي الخوف والحزن عنهم ، وأنهم أصحاب الجنة وأن المحسنين هم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في أعمالهم. وأشير بمفهومه إلى التعريض بالذين ظلموا فإن فيه مفهوم القصر من قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ). وتعريفهم بطريق الموصولية لما تؤذن به الصلة من تعليل كرامتهم عند الله لأنهم جمعوا حسن معاملتهم لربهم بتوحيده وخوفه وعبادته ، وهو ما دل عليه (قالُوا رَبُّنَا اللهُ) إلى حسن معاملتهم أنفسهم وهو معنى (ثُمَّ اسْتَقامُوا).
وجيء في صلة الموصول بفعل (قالُوا) لإيجاز المقول وغنيته عن أن يقال : اعترفوا بالله وحده وأطاعوه. والمراد : أنهم قالوا ذلك واعتقدوا معناه إذ الشأن في الكلام الصدق وعملوا به لأن الشأن مطابقة العمل للاعتقاد.
(ثُمَ) للتراخي الرتبي : وهو الارتقاء والتدرج ، فإن مراعاة الاستقامة أشق من حصول الإيمان لاحتياجها إلى تكرر مراقبة النفس ، فأما الإيمان فالنظر يقتضيه واعتقاده يحصل دفعة لا يحتاج إلى تجديد ملاحظة. فهذا وجه التراخي الرتبي من جهة ، وإن كان الإيمان أرقى درجة من العمل من حيث إنه شرط في الاعتداد بالعمل ولذلك عطف ب (ثُمَ) التي للتراخي في قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ) إلى قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٢ ـ ١٧] ، فالاعتباران مختلفان باختلاف المقام المسوق فيه الكلام كما يظهر بالتأمل هنا وهناك ، وتقدم نظيره في سورة فصّلت.