[الأعراف : ١] و (كهيعص) [مريم : ١] ولو أريد الجبل الموهوم لكتب قاف ثلاثة حروف كما تكتب دوالّ الأشياء مثل عين : اسم الجارحة ، وغينش : مصدر غان عليه ، فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجّي كما لا يخفى.
(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)).
قسم بالقرآن ، والقسم به كناية عن التنويه بشأنه لأن القسم لا يكون إلا بعظيم عند المقسم فكان التعظيم من لوازم القسم. وأتبع هذا التنويه الكنائي بتنويه صريح بوصف (الْقُرْآنِ) ب (الْمَجِيدِ) فالمجيد المتصف بقوة المجد. والمجد ويقال المجادة : الشرف الكامل وكرم النوع.
وشرف القرآن من بين أنواع الكلام أنه مشتمل على أعلى المعاني النافعة لصلاح الناس فذلك مجده. وأما كمال مجده الذي دلت عليه صيغة المبالغة بوصف مجيد فذلك بأنه يفوق أفضل ما أبلغه الله للناس من أنواع الكلام الدالّ على مراد الله تعالى إذ أوجد ألفاظه وتراكيبه وصورة نظمه بقدرته دون واسطة ، فإن أكثر الكلام الدال على مراد الله تعالى أوجده الرسل والأنبياء المتكلمون به يعبّرون بكلامهم عما يلقى إليهم من الوحي.
ويدخل في كمال مجده أنه يفوق كل كلام أوجده الله تعالى بقدرته على سبيل خرق العادة مثل الكلام الذي كلم الله به موسى عليهالسلام بدون واسطة الملائكة ، ومثل ما أوحي به إلى محمد صلىاللهعليهوسلم من أقوال الله تعالى المعبر عنه في اصطلاح علمائنا بالحديث القدسيّ ، فإن القرآن يفوق ذلك كله لمّا جعله الله بأفصح اللغات وجعله معجزا لبلغاء أهل تلك اللغة عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه. ويفوق كل كلام من ذلك القبيل بوفرة معانيه وعدم انحصارها ، وأيضا بأنه تميز على سائر الكتب الدينية بأنه لا ينسخه كتاب يجيء بعده وما ينسخ منه إلا شيء قليل ينسخه بعضه.
وجواب القسم محذوف لتذهب نفس السامع في تقديره كل طريق ممكن في المقام فيدل عليه ابتداء السورة بحرف (ق) المشعر بالنداء على عجزهم عن معارضة القرآن بعد تحدّيهم بذلك ، أو يدل عليه الإضراب في قوله : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ).
والتقدير : والقرآن المجيد إنك لرسول الله بالحق ، كما صرح به في قوله : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يس : ١ ـ ٤]. أو يقدر