إليه ، أي زمن موتنا وكوننا ترابا.
والمستفهم عنه محذوف دل عليه ظرف (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) والتقدير : أنرجع إلى الحياة في حين انعدام الحياة منا بالموت وحين تفتت الجسد وصيرورته ترابا ، وذلك عندهم أقصى الاستبعاد. ومتعلق (إذا) هو المستفهم عنه المحذوف المقدّر ، أي نرجع أو نعود إلى الحياة وهذه الجملة مستقلة بنفسها.
وجملة (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) مؤكدة لجملة (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) بطريق الحقيقة والذكر ، بعد أن أفيد بطريق المجاز والحذف ، لأن شأن التأكيد أن يكون أجلى دلالة.
والرّجع : مصدر رجع ، أي الرجوع إلى الحياة. ومعنى (بَعِيدٌ) أنه بعيد عن تصور العقل ، أي هو أمر مستحيل.
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤))
ردّ لقولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣] فإن إحالتهم البعث ناشئة عن عدة شبه منها : أن تفرق أجزاء الأجساد في مناحي الأرض ومهابّ الرياح لا تبقي أملا في إمكان جمعها إذ لا يحيط بها محيط وأنها لو علمت مواقعها لتعذر التقاطها وجمعها ، ولو جمعت كيف تعود إلى صورها التي كانت مشكّلة بها ، وأنها لو عادت كيف تعود إليها ، فاقتصر في إقلاع شبههم على إقلاع أصلها وهو عدم العلم بمواقع تلك الأجزاء وذرّاتها.
وفصلت الجملة بدون عطف لأنها ابتداء كلام لرد كلامهم ، وهذا هو الأليق بنظم الكلام. وقيل هي جواب القسم كما علمته آنفا وأيّا ما كان فهو رد لقولهم (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ).
والمعنى : أن جمع أجزاء الأجسام ممكن لا يعزب عن علم الله ، وإذا كان عالما بتلك الأجزاء كما هو مقتضى عموم العلم الإلهي وكان قد أراد إحياء أصحابها كما أخبر به ، فلا يعظم على قدرته جمعها وتركيبها أجساما كأجسام أصحابها حين فارقوا الحياة فقوله : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) إيماء إلى دليل الإمكان لأن مرجعه إلى عموم العلم كما قلنا. فأساس مبنى الرد هو عموم علم الله تعالى لأن يجمع إبطال الاحتمالات التي تنشأ عن شبهتهم فلو قال ، نحن قادرون على إرجاع ما تنقص الأرض منهم لخطر في وساوس نفوسهم شبهة أن الله وإن سلمنا أنه قادر فإن أجزاء الأجساد إذا تفرقت لا يعلمها الله حتى تتسلط على جمعها قدرته فكان البناء على عموم العلم أقطع لاحتمالاتهم.