بأي أنواع الكلام الباطل يلحقونه فقالوا : (سِحْرٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١١٠] ، وقالوا (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] وقالوا (بِقَوْلِ شاعِرٍ) [الحاقة : ٤١] ، وقالوا : (بِقَوْلِ كاهِنٍ) [الحاقة : ٤٢] وقالوا : (هذيان مجنون). وفي سلوكهم في طرق مقاومة دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وما يصفونه به إذا سألهم الواردون من قبائل العرب. ومن بهتهم في إعجاز القرآن ودلالة غيره من المعجزات وما دمغهم به من الحجج على إبطال الإشراك وإثبات الوحدانية لله. وهذا تحميق لهم بأنهم طاشت عقولهم فلم يتقنوا التكذيب ولم يرسوا على وصف الكلام الذي كذبوا به.
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦))
تفريع على قوله : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) [ق : ٢] إلى قوله : (مَرِيجٍ) [ق : ٥] لأن أهمّ ما ذكر من تكذيبهم أنهم كذبوا بالبعث ، وخلق السماوات والنجوم والأرض دالّ على أن إعادة الإنسان بعد العدم في حيّز الإمكان فتلك العوالم وجدت عن عدم وهذا أدلّ عليه قوله تعالى في سورة يس [٨١] (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ).
والاستفهام يجوز أن يكون إنكاريا. والنظر نظر الفكر على نحو قوله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ١٠١]. ومحل الإنكار هو الحال التي دل عليها (كَيْفَ بَنَيْناها) ، أي ألم يتدبروا في شواهد الخليقة فتكون الآية في معنى أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق.
ويجوز أن يكون الاستفهام تقريريا ، والنظر المشاهدة ، ومحل التقرير هو فعل (يَنْظُرُوا) ، أو يكون (كَيْفَ) مراد به الحال المشاهدة.
هذا وأن التقرير على نفي الشيء المراد الإقرار بإثباته طريقة قرآنية ذكرناها غير مرة ، وبينا أن الغرض منه إفساح المجال للمقرّر إن كان يروم إنكار ما قرر عليه ، ثقة من المقرّر ـ بكسر الراء ـ بأن المقرّر ـ بالفتح ـ لا يقدم على الجحود بما قرر عليه لظهوره ، وتقدم عند قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) [الأعراف : ١٤٨] ، وقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) كلاهما في سورة الأعراف [١٧٢].
وهذا الوجه أشدّ في النعي عليهم لاقتضائه أن دلالة المخلوقات المذكورة على إمكان البعث يكفي فيها مجرد النظر بالعين.
و (فَوْقَهُمْ) حال من السماء. والتقييد بالحال تنديد عليهم لإهمالهم التأمل مع المكنة