ودخول الفاء على خبر الموصول وهو (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لمعاملة الموصول معاملة الشرط كأنه قيل : إن قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ، ومثله كثير في القرآن ، فأفاد تسبب ذلك في أمنهم من الخوف والحزن. و (عَلَيْهِمْ) خبر عن خوف ، أي لا خوف يتمكن منهم ويصيبهم ويلحقهم.
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لتخصيص المسند إليه بالخبر نحو : ما أنا قلت هذا ، أي أن الحزن منتف عنهم لا عن غيرهم ، والمراد بالغير : من لم يتصف بالإيمان والاستقامة في مراتب الكفر والعصيان ، فجنس الخوف ثابت لمن عداهم على مراتب توقع العقاب حتى في حالة الوجل من عدم قبول الشفاعة فيهم ومن توقع حرمانهم من نفحات الله تعالى.
واستحضارهم بطريق اسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) للتنبيه على أنهم أحرياء بما يرد من الإخبار عنهم بما بعد الإشارة لأجل الأوصاف المذكورة قبل اسم الإشارة ، كما تقدم في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في أول سورة البقرة [٥].
و (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أدل على الاختصاص بالجنة من أن يقال : أولئك في الجنة وأولئك لهم الجنة لما في (أَصْحابُ) من معنى الاختصاص وما في الإضافة أيضا.
وقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) تصريح بما استفيد من تعليل الصلة في الخبر ومن اقتضاء اسم الإشارة جدارتهم بما بعده وما أفاده وصف أصحاب وما أفادته الإضافة ، وهذا من تمام العناية بالتنويه بهم.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥))
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) تطلب بعض المفسرين وجه مناسبة وقوع هذه الآية عقب التي قبلها ، وذكر القرطبي عن القشيري أن وجه اتصال الكلام بعضه ببعض أن المقصود بيان أنه لا يبعد أن يستجيب بعض الناس للنبي صلىاللهعليهوسلم ويكفر به بعضهم كما اختلف حال الناس مع الوالدين. وقال ابن