عليهم بذلك ليشكروا النعمة ولا يكفروها بعبادة غيره كقوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٥ ، ٦].
(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨))
مفعول لأجله للأفعال السابقة من قوله : (بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها) [ق : ٦] وقوله : (مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها) [ق : ٧] إلخ ، على أنه علة لها على نحو من طريقة التنازع ، أي ليكون ما ذكر من الأفعال ومعمولاتها تبصرة وذكرى ، أي جعلناه لغرض أن نبصّر به ونذكّر كل عبد منيب.
وحذف متعلق (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) ليعم كلّ ما يصلح أن يتبصر في شأنه بدلائل خلق الأرض وما عليها ، وأهم ذلك فيهم هو التوحيد والبعث كما هو السياق تصريحا وتلويحا.
وإنما كانت التبصرة والذكرى علة للأفعال المذكورة لأن التبصرة والذكرى من جملة الحكم التي أوجد الله تلك المخلوقات لأجلها. وليس ذلك بمقتض انحصار حكمة خلقها في التبصرة والذكرى ، لأن أفعال الله تعالى لها حكم كثيرة علمنا. بعضها وخفي علينا بعض.
والتبصرة : مصدر بصّره. وأصل مصدره التبصير ، فحذفوا الياء التحتية من أثناء الكلمة وعوضوا عنها التاء الفوقية في أول الكلمة كما قالوا : جرّب تجربة وفسّر تفسرة ، وذلك يقلّ في المضاعف ويكثر في المهموز نحو جزّأ تجزئة ، ووطّأ توطئة. ويتعين في المعتل نحو : زكّى تزكية ، وغطاه تغطية.
والتّبصير : جعل المرء مبصرا وهو هنا مجاز في إدراك النفس إدراكا ظاهرا للأمر الذي كان خفيا عنها فكأنها لم تبصره ثم أبصرته.
والذكرى اسم مصدر ذكّر ، إذا جعله يذكر ما نسيه. وأطلقت هنا على مراجعة النفس ما علمته ثم غفلت عنه.
و (عَبْدٍ) بمعنى عبد الله ، أي مخلوق ، ولا يطلق إلّا على الإنسان. وجمعه : عباد دون عبيد.
والمنيب : الراجع ، والمراد هنا الراجع إلى الحق بطاعة الله فإذا انحرف أو شغله