وكذبوا وقوعه فحق وصدق. وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها (وَعِيدِ) للرعي على الفاصلة وهو كثير.
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥))
تشير فاء التفريع إلى أن هذا الكلام مفرع على ما قبله وهو جملة (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) [ق : ٦] وقوله : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) [ق : ٨] المعرض بأنهم لم يتبصروا به ولم يتذكروا. وقوله : (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) [ق : ٩] وقوله : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) [ق : ١١].
ويجوز أن يجعل تفريعا على قوله : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ).
والاستفهام المفرّع بالفاء استفهام إنكار وتغليط لأنهم لا يسعهم إلّا الاعتراف بأن الله لم يعي بالخلق الأول إذ لا ينكر عاقل كمال قدرة الخالق وعدم عجزه.
و (فَعَيِينا) معناه عجزنا ، وفعل (عيّ) إذا لم يتصل به ضمير يقال مدغما وهو الأكثر ويقال : عيي بالفك فإذا اتصل به ضمير تعين الفك. ومعناه : عجز عن إتقان فعل ولم يهتد لحيلته. ويعدّى بالباء يقال : عيي بالأمر والباء فيه للمجاوزة. وأما أعيا بالهمزة في أوله قاصرا فهو للتعب بمشي أو حمل ثقل وهو فعل قاصر لا يعدّى بالباء. فالمعنى : ما عجزنا عن الخلق الأول للإنسان فكيف تعجز عن إعادة خلقه.
و (بَلْ) في قوله : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) للإضراب الإبطالي عن المستفهم عنه ، أي بل ما عيينا بالخلق الأول ، أي وهم يعلمون ذلك ويعلمون أن الخلق الأول للأشياء أعظم من إعادة خلق الأموات ولكنهم تمكن منهم اللبس الشديد فأغشى إدراكهم عن دلائل الإمكان فأحالوه ، فالإضراب على أصله من الإبطال.
واللبس : الخلط للأشياء المختلفة الحقائق بحيث يعسر أو يتعذر معه تمييز مختلفاتها بعضها عن بعض. والمراد منه اشتباه المألوف المعتاد الذي لا يعرفون غير بالواجب العقلي الذي لا يجوز انتفاؤه ، فإنهم اشتبه عليهم إحياء الموتى وهو ممكن عقلا بالأمر المستحيل في العقل فجزموا بنفي إمكانه فنفوه ، وتركوا القياس بأن من قدر على إنشاء ما لم يكن موجودا هو على إعادة ما كان موجودا أقدر.
وجيء بالجملة الاسمية من قوله : (هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) للدلالة على ثبات