هذا الحكم لهم وأنه متمكن من نفوسهم لا يفارقهم البتة ، وليتأتّى اجتلاب حرف الظرفية في الخبر فيدل على انغماسهم في هذا اللبس وإحاطته بهم إحاطة الظرف بالمظروف.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) ابتدائية وهي صفة ل (لَبْسٍ) ، أي لبس واصل إليهم ومنجرّ عن خلق جديد ، أي من لبس من التصديق به.
وتنكير (لَبْسٍ) للنوعية وتنكير (خَلْقٍ جَدِيدٍ) كذلك ، أي ما هو إلا خلق من جملة ما يقع من خلق الله الأشياء مما وجه إحالته ولتنكيره أجريت عليه الصفة ب (جَدِيدٍ).
والجديد : الشيء الذي في أول أزمان وجوده.
وفي هذا الوصف تورّك عليهم وتحميق لهم من إحالتهم البعث ، أي اجعلوه خلقا جديدا كالخلق الأول ، وأيّ فارق بينهما.
وفي تسمية إعادة الناس للبعث باسم الخلق إيماء إلى أنها إعادة بعد عدم الأجزاء لا جمع لمتفرقها ، وقد مضى القول فيه في أول السورة.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦))
هذا تفصيل لبعض الخلق الأول بذكر خلق الإنسان وهو أهم في هذا المقام للتنبيه على أنه المراد من الخلق الأول وليبنى عليه (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) الذي هو تتميم لإحاطة صفة العلم في قوله : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) [ق : ٤] ولينتقل منه الإنذار بإحصاء أعمال الناس عليها وهو ما استرسل في وصفه من قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) [ق : ١٧] إلخ.
ووصف البعث وصف الجزاء من قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) إلى قوله : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٢٠ ـ ٣٥].
وتأكيد هذا الخبر باللام و (قد) مراعى فيه المتعاطفات وهي (نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) لأنهم وإن كانوا يعلمون أن الله خلق الناس فإنهم لا يعلمون أن الله عالم بأحوالهم.
و (الْإِنْسانَ) يعم جميع الناس ولكن المقصود منهم أولا المشركون لأنهم المسوق إليهم هذا الخبر ، وهو تعريض بالإنذار كما يدل عليه قوله بعده (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)