الْمَوْتِ). والتقدير : إذ يتلقى المتلقّيان روح الإنسان. ويكون التعريف في قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) عوضا عن المضاف إليه أي عن يمينها وعن شمالها قعيد ، وهو على التوزيع ، أي عن يمين أحدهما وعن شمال الآخر. ويكون (قَعِيدٌ) مستعملا في معنى : قعيدان فإن فعيلا بمعنى فاعل قد يعامل معاملة فعيل بمعنى مفعول ، كقول الأرزق بن طرفة :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطّويّ رماني |
والاقتصار على (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) حينئذ ظاهر لأن الإنسان في تلك الحالة لا تصدر منه أفعال لعجزه فلا يصدر منه في الغالب إلا أقوال من تضجّر أو أنين أو شهادة بالتوحيد ، أو ضدها ، ومن ذلك الوصايا والإقرارات.
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩))
عطف على جملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] لاشتراكهما في التنبيه على الجزاء على الأعمال. فهذا تنقل في مراحل الأمور العارضة للإنسان التي تسلمه من حال إلى آخر حتى يقع في الجزاء على أعماله التي قد أحصاها الحفيظان.
وإنما خولف التعبير في المعطوف بصيغة الماضي دون صيغة المضارع التي صيغ بها المعطوف عليه لأنه لقربه صار بمنزلة ما حصل قصدا لإدخال الروع في نفوس المشركين كما استفيد من قوله : (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) نظير قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨].
ويأتي على ما اختاره الفخر في تفسير (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) [ق : ١٧] الآية أن تكون جملة (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) إلخ في موضع الحال. والتقدير : وقد جاءت سكرة الموت بالحق حينئذ.
والمجيء مجاز في الحصول والاعتراء وفي هذه الاستعارة تهويل لحالة احتضار الإنسان وشعوره بأنه مفارق الحياة التي ألفها وتعلق بها قلبه.
والسّكرة : اسم لما يعتري الإنسان من ألم أو اختلال في المزاج يحجب من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة. وهي مشتق من السّكر بفتح فسكون وهو الغلق لأنه يغلق العقل ومنه جاء وصف السكران.
والباء في قوله : (بِالْحَقِ) للملابسة ، وهي إما حال من (سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي متصفة