بأنها حق ، والحق : الذي حقّ وثبت فلا يتخلّف ، أي السكرة التي لا طمع في امتداد الحياة بعدها ، وإما حال من (الْمَوْتِ) ، أي ملتبسا بأنه الحق ، أي المفروض المكتوب على الناس فهم محقوقون به ، أو الذي هو الجدّ ضد العبث كقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) [التغابن : ٣] مع قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص : ٢٧].
وقول (ذلِكَ) إشارة إلى الموت بتنزيل قرب حصوله منزلة الحاصل المشاهد.
و (تَحِيدُ) تفرّ وتهرب ، وهو مستعار للكراهية أو لتجنب أسباب الموت. والخطاب للمقصود من الإنسان وبالمقصود الأول منه وهم المشركون لأنهم أشدّ كراهية للموت لأن حياتهم مادية محضة فهم يريدون طول الحياة قال تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [البقرة : ٩٦] إذ لا أمل لهم في حياة أخرى ولا أمل لهم في تحصيل نعيمها ، فأما المؤمنون فإن كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلة بمقدار الإلف لا تبلغ بهم إلى حد الجزع منه. وفي الحديث «من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ، وتأويله بالمؤمنين يحب لقاء الله للطمع في الثواب ، وبالكافر يكره لقاء الله. وقد بينه النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن المؤمن إذا حضرته الوفاة رأى ما أعد الله له من خير فأحب لقاء الله» أي والكافر بعكسه ، وقد قال الله تعالى خطابا لليهود (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨].
وتقديم (مِنْهُ) على (تَحِيدُ) للاهتمام بما منه الحياد ، وللرعاية على الفاصلة.
[٢٠ ، ٢١] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١))
عطف على (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) [ق : ١٩] على تفسير الجمهور. فأما على تفسير الفخر فالجملة مستأنفة وصيغة المضيّ في قوله : (وَنُفِخَ) مستعملة في معنى المضارع ، أي ينفخ في الصور فصيغ له المضي لتحقق وقوعه مثل قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] ، والمشار إليه بذلك في قوله : (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) إذ أن ذلك الزمان الذي نفخ في الصور عنده هو يوم الوعيد.
والنفخ في الصور تقدم القول فيه عند قوله تعالى : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) في سورة الأنعام [٧٣].