(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) الآية في سورة الصافات [٥١ ، ٥٢]. وقول القرين (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) مستعمل في التهلف والتحسر والإشفاق ، لأنه لما رأى ما به العذاب علم أنه قد هيّئ له ، أو لمّا رأى ما قدم إليه قرينه علم أنه لا حق على أثره كقصة الثورين الأبيض والأحمر اللذين استعان الأسد بالأحمر منهما على أكل الثور الأبيض ثم جاء الأسد بعد يوم ليأكل الثور الأحمر فعلا الأحمر ربوة وصاح ألا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وتقدم معنى (عَتِيدٌ) عند قوله تعالى : (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] ، وهو هنا متعيّن للمعنى الذي فسر عليه المفسرون ، أي معدّ ومهيّأ.
[٢٤ ، ٢٥] (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥))
انتقال من خطاب النفس إلى خطاب الملكين الموكلين السائق والشهيد. والكلام مقول قول محذوف. والجملة استئناف ابتدائي انتقال من خطاب فريق إلى خطاب فريق آخر ، وصيغة المثنى في قوله : (أَلْقِيا) تجوز أن تكون مستعملة في أصلها فيكون الخطاب للسائق والشهيد. ويجوز أن تكون مستعملة في خطاب الواحد وهو الملك الموكّل بجهنّم وخوطب بصيغة المثنّى جريا على طريقة مستعملة في الخطاب جرت على ألسنتهم لأنهم يكثر فيهم أن يرافق السائر رفيقان ، وهي طريقة مشهورة ، كما قال امرؤ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وقولهم : يا خليليّ ، ويا صاحبيّ. والمبرد يرى أن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل : ألق ألق للتأكيد. وهذا أمر بأن يعم الإلقاء في جهنم كلّ كفار عنيد ، فيعلم منه كلّ حاضر في الحشر من هؤلاء أنه مدفوع به إلى جهنم.
والكفّار : القوي الكفر ، أي الشرك.
والعنيد : القوي العناد ، أي المكابرة والمدافعة للحق وهو يعلم أنه مبطل.
والمنّاع : الكثير المنع ، أي صد الناس عن الخير ، والخير هو الإيمان ، كانوا يمنعون أبناءهم وذويهم من اتباع الإيمان ومن هؤلاء الوليد بن المغيرة كان يقول لبني أخيه «من دخل منكم في الإسلام لا أنفعه بشيء ما عشت». ويحتمل أن يراد به أيضا منع الفقراء من المال لأن الخير يطلق على المال وكان أهل الجاهلية يمنعون الفقراء ويعطون المال