و (نِعْمَتَكَ) اسم مصدر مضاف يعمّ ، أي ألهمني شكر النعم التي أنعمت بها علي وعلى والدي من جميع النعم الدينية كالإيمان والتوفيق ومن النعم الدنيوية كالصحة والجدة.
وما ذكر من الدعاء لذريته بقوله : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) استطراد في أثناء الوصاية بالدعاء للوالدين بأن لا يغفل الإنسان عن التفكر في مستقبله بأن يصرف عنايته إلى ذريته كما صرفها إلى أبويه ليكون له من إحسان ذريته إليه مثل ما كان منه لأبويه وإصلاح الذرية يشمل إلهامهم الدعاء إلى الوالد.
وفي إدماج تلقين الدعاء بإصلاح ذريته مع أن سياق الكلام في الإحسان إلى الوالدين إيماء إلى أن المرء يلقى من إحسان أبنائه إليه مثل ما لقي أبواه من إحسانه إليهما ، ولأن دعوة الأب لابنه مرجوة الإجابة. وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم» ، وفي رواية «لولده» وهو حديث حسن متعددة طرقه.
واللام في (وَأَصْلِحْ لِي) لام العلة ، أي أصلح في ذريتي لأجلي ومنفعتي كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١]. ونكتة زيادة هذا في الدعاء أنه بعد أن أشار إلى نعم الله عليه وعلى والديه تعرض إلى نفحات الله فسأله إصلاح ذريته وعرّض بأن إصلاحهم لفائدته ، وهذ تمهيد لبساط الإجابة كأنه يقول : كما ابتدأتني بنعمتك وابتدأت والديّ بنعمتك ومتعتهما بتوفيقي إلى برهما ، كمّل إنعامك بإصلاح ذريتي فإن إصلاحهم لي. وهذه ترقيات بديعة في درجات القرب.
ومعنى ظرفية (فِي ذُرِّيَّتِي) أن ذريته نزلت منزلة الظرف يستقر فيه ما هو به الإصلاح ويحتوي عليه ، وهو يفيد تمكن الإصلاح من الذرية وتغلغله فيهم. ونظيره في الظرفية قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨].
وجملة (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) كالتعليل للمطلوب بالدعاء تعليل توسل بصلة الإيمان والإقرار بالنعمة والعبودية. وحرف (إنّ) للاهتمام بالخبر كما هو ظاهر ، وبذلك يستعمل حرف (إنّ) في مقام التعليل ويغني غناء الفاء.
والمراد بالتوبة : الإيمان لأنه توبة من الشرك ، وبكونه من المسلمين أنه تبع شرائع الإسلام وهي الأعمال. وقال : (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) دون أن يقول : وأسلمت كما قال : (تُبْتُ