إِلَيْكَ) لما يؤذن به اسم الفاعل من التلبس بمعنى الفعل في الحال وهو التجدد لأن الأعمال متجددة متكررة ، وأما الإيمان فإنما يحصل دفعة فيستقر لأنه اعتقاد ، وفيه الرعي على الفاصلة. هذا وجه تفسير الآية بما تعطيه تراكيبها ونظمها دون تكلف ولا تحمّل ، وهي عامة لكل مسلم أهل لوصاية الله تعالى بوالديه والدعاء لهما إن كانا مؤمنين.
(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦))
جيء باسم الإشارة للغرض الذي ذكرناه آنفا عند قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [الأحقاف : ١٤]. وكونه إشارة جمع ومخبرة عنه بألفاظ الجمع ظاهر في أن المراد بالإنسان من قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) [الأحقاف : ١٥] غير معيّن بل المراد الجنس المستعمل في الاستغراق كما قدمناه. والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ما قبلها من الوصف والحثّ يحدث ترقب السامع لمعرفة فائدة ذلك فكان قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ) يتقبل (عَنْهُمْ) إلى آخره جوابا لترقية.
وعموم (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يكسب الجملة فائدة التذييل ، أي الإحسان بالوالدين والدعاء لهما وللذرية من أفضل الأعمال فهو من أحسن ما عملوا. وقد تقبل منهم كل ما هو أحسن ما عملوا. والتقبل : ترتب آثار العمل من ثواب على العمل واستجابة للدعاء. وفي هذا إيماء إلى أن هذا الدعاء مرجوّ الإجابة لأن الله تولى تلقينه مثل الدعاء الذي في سورة الفاتحة ودعاء آخر سورة البقرة.
وعدّي فعل يتقبل بحرف (عن) ، وحقه أن يعدّى بحرف (من) تغليبا لجانب المدعو لهم وهم الوالدان والذريّة ، لأن دعاء الولد والوالد لأولئك بمنزلة النيابة عنهم في عبادة الدعاء وإذا كان العمل بالنيابة متقبلا علم أن عمل المرء لنفسه متقبل أيضا ففي الكلام اختصار كأنه قيل : أولئك يتقبل منهم ويتقبل عن والديهم وذريتهم أحسن ما عملوا. وقرأ الجمهور يتقبل ويتجاوز بالياء التحتية مضمومة مبنيين للنائب وأحسن مرفوع على النيابة عن الفاعل ولم يذكر الفاعل لظهور أن المتقبل هو الله وقرأهما حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بنونين مفتوحتين ونصب (أَحْسَنَ).
وقوله : (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) في موضع الحال من اسم الإشارة ، أي كائنين في أصحاب الجنة حين يتقبل أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم لأن أصحاب الجنة متقبل