والذي عليه جمهور المفسرين : أن الآية لا تعني شخصا معينا وأن المراد منها فريق أسلم آباؤهم ولم يسلموا حينئذ. وعن ابن عباس ومروان بن الحكم ومجاهد والسدّي وابن جريج أنّها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق واسمه عبد الكعبة الذي سماه النبيصلىاللهعليهوسلم عبد الرحمن بعد أن أسلم عبد الرحمن قالوا : كان قبل الهجرة مشركا وكان يدعوه أبوه أبو بكر وأمه أم رومان إلى الإسلام ويذكّرانه بالبعث ، فيردّ عليهما بكلام مثل ما ذكره في هذه الآية. ويقول : فأين عبد الله بن جدعان ، وأين عثمان بن عمرو ، وأين عامر بن كعب ، ومشايخ قريش حتى أسألهم عمّا يقول محمد. لكن ليست الآية خاصة به حتى تكون نازلة فيه ، وبهذا يؤول قول عائشة رضياللهعنها لما قال مروان بن الحكم لعبد الرحمن هو الذي يقول الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما). وذلك في قصة إشارة عبد الرحمن على مروان أخذه البيعة ليزيد بن معاوية بالعهد له بالخلافة.
ففي «صحيح البخاري» في كتاب التفسير عن يوسف بن ماهك أنه قال : «كان مروان ابن الحكم على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه أي بولاية العهد فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر أهرقليّة أي أجعلتموها وراثة مثل سلطنة هرقل فقال : خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي) ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري أي براءتي. وكيف يكون المراد ب (الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) عبد الرحمن بن أبي بكر وآخر الآية يقول:(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) إلى (خاسِرِينَ) [الأحقاف : ١٨] فذكر اسم الإشارة للجمع ، وقضى على المتحدّث عنهم بالخسران ، ولم أقف على من كان مشركا وكان أبواه مؤمنين. وأيّاما كان فقد أسلم عبد الرحمن قبل الفتح فلما أسلم جبّ إسلامه ما قبله وخرج من الوعيد الذي في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) الآية ، لأن ذلك وعيد وكل وعيد فإنما هو مقيد تحققه بأن يموت المتوعّد به غير مؤمن وهذا معلوم بالضرورة من الشريعة. وتلقب عند الأشاعرة بمسألة الموافاة ، على أنه قيل إن الإشارة بقوله : (أُولئِكَ) عائدة إلى (الْأَوَّلِينَ) من قوله : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) كما سيأتي.
وأفّ : اسم فعل بمعنى : أتضجّر ، وتقدم الكلام عليه في سورة الإسراء وفي سورة الأنبياء ، وهو هنا مستعمل كناية عن أقل الأذى فيكون الذين يؤذون والديهم بأكثر من هذا أوغل في العقوق الشنيع وأحرى بالحكم بدلالة فحوى الخطاب على ما تقرر في قوله