بخفض العيش ولو شئت لجعلت أكبادا ، وصلائق وصنابا وكراكر وأسنمة (١) ولكني رأيت الله نعى على قوم فقال : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها). وإنما أراد عمر بذلك الخشية من أن يشغله ذلك عن واجبه من تدبير أمور الأمة فيقع في التفريط ويؤاخذ عليه. وذكر ابن عطية : أن عمر حين دخل الشام قدّم إليه خالد بن الوليد طعاما طيبا. فقال عمر : هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد : لهم الجنة ، فبكى عمر. وقال : لئن كان حظنا في المقام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا.
والهون : الهوان وهو الذلّ وإضافة (عَذابَ) إلى (الْهُونِ) مع إضافة الموصوف إلى الصفة. والباء في قوله : (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) للسببية وهي متعلقة بفعل (تُجْزَوْنَ).
والمراد بالاستكبار ، الاستكبار على الرسول صلىاللهعليهوسلم وعلى قبول التوحيد.
والفسوق : الخروج عن الدين وعن الحق ، وقد يأخذ المسلم بحظ من هذين الجرمين فيكون له حظ من جزائهما الذي لقيه الكافرون ، وذلك مبين في أحكام الدين. والفسوق : هنا الشرك.
وقرأ الجمهور (أَذْهَبْتُمْ) بهمزة واحدة على أنه خبر مستعمل في التوبيخ. وقرأه ابن كثير أأذهبتم بهمزتين على الاستفهام التوبيخي.
(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١))
سيقت قصة هود وقومه مساق الموعظة للمشركين الذين كذبوا بالقرآن كما أخبر الله عنهم من أول هذه السورة في قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف : ٣] مع ما أعقبت به من الحجج المتقدمة من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأحقاف : ٤] الذي يقابله قول هود (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ثم قوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] الذي يقابله قوله : (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، ذلك كله
__________________
(١) الصلائق بالصاد جمع صليقة وهي الشاة المصلوقة ، أي المشوية ، والصناب بكسر الصاد ونون مخففة وموحدة صباغ من خردل وزبيب يؤدم به اللحم. والكراكر جمع كركرة بكافين مكسورين غدة في صدر البعير تلاصق الأرض إذا برك وهي لحم طيب.