(وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف : ٣].
والأحقاف : جمع حقف بكسر فسكون ، وهو الرمل العظيم المستطيل وكانت هذه البلاد المسماة بالأحقاف منازل عاد وكانت مشرفة على البحر بين عمان وعدن. وفي منتهى الأحقاف أرض حضرموت ، وتقدم ذكر عاد عند قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) في سورة الأعراف [٦٥].
وجملة (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) معترضة بين جملة (أَنْذَرَ) وجملة (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) المفسرة بها. وقد فسرت جملة (أَنْذَرَ) بجملة (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) إلخ.
و (أن) تفسيرية لأن (أَنْذَرَ) فيه معنى القول دون حروفه.
ومعنى (خَلَتِ النُّذُرُ) سبقت النذر أي نذر رسل آخرين. والنذر : جمع نذارة بكسر النون. و (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) بمعنى قريبا من زمانه وبعيدا عنه ، ف (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) معناه القرب كما في قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سبأ : ٤٦] ، أي قبل العذاب قريبا منه قال تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨] ، وقال (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [النساء : ١٦٤]. وأما الذي من خلفه فنوح فقد قال هود لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) [الأعراف : ٦٩] ، وهذا مراعاة للحالة المقصود تمثيلها فهو ناظر إلى قوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] أي قد خلت من قبله رسل مثل ما خلت بتلك.
وجملة (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) تعليل للنهي في قوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ، أي إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم بسبب شرككم. وعذاب اليوم العظيم يحتمل الوعيد بعذاب يوم القيامة وبعذاب يوم الاستئصال في الدنيا ، وهو الذي عجّل لهم. ووصف اليوم بالعظم باعتبار ما يحدث فيه من الأحداث العظيمة ، فالوصف مجاز عقلي.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢))
جواب عن قوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) [الأحقاف : ٢١] ، ولذلك جاء فعل (قالُوا) مفصولا على طريق المحاورة.