والاستفهام إنكار. والمجيء مستعار للقصد بطلب أمر عظيم ، شبه طروّ الدعوة بعد أن لم يكن يدعو بها بمجيء جاء لم يكن في ذلك المكان.
والأفك بفتح الهمزة : الصرف ، وأرادوا به معنى الترك ، أي لنترك عبادة آلهتنا. وهذا الإنكار تعريض بالتكذيب فلذلك فرع عليه (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فصرحوا بتكذيبه بطريق المفهوم.
والمعنى : ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به ، أي عذاب اليوم العظيم ، وإنما صرفوا مراد هود بالعذاب إلى خصوص عذاب الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث وبهذا يؤذن قوله بعده (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) [الأحقاف : ٢٤] وقوله : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) [الأحقاف : ٢٤]. وأرادوا : ائتنا به الآن لأن المقام مقام تكذيب بأن عبادة آلهتهم تجر لهم العذاب.
و (مِنَ الصَّادِقِينَ) أبلغ في الوصف بالصدق من أن يقال : إن كنت صادقا ، كما تقرر في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) في سورة البقرة [٣٤] ، أي إن كنت في قولك هذا من الذين صدقوا ، أي فإن لم تأت به فما أنت بصادق فيه.
(قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣))
لما جعلوا قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأحقاف : ٢٢] فصلا بينهم وبينه فيما أنذرهم من كون عبادة غير الله توجب عذاب يوم عظيم ، كان الأمر في قولهم (فَأْتِنا) مقتضيا الفور ، أي طلب تعجيله ليدل على صدقه إذ الشأن أن لا يتأخر عن إظهار صدقه لهم.
وإسناد الإتيان بالعذاب إليه مجاز لأنه الواسطة في إتيان العذاب أن يدعو الله أن يعجّله ، أو جعلوا العذاب في مكنته يأتي به متى أراد ، تهكما به إذ قال لهم إنه مرسل من الله فجعلوا ذلك مقتضيا أن بينه وبين الله تعاونا وتطاوعا ، أي فلا تتأخر عن الإتيان به.
وقد دل على هذا الاقتضاء قوله لهم حين نزول العذاب (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) [الأحقاف : ٢٤] فلذلك كان جوابه أن قال : (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) أي علم وقت إتيان العذاب محفوظ عند الله لا يطلع عليه أحد ، فالتعريف في (الْعِلْمُ) للاستغراق العرفي ، أي علم المغيبات ، أو التعريف عوض عن المضاف إليه ، أي وقت العذاب. وهذا الجواب يجري