من آيات إعجاز القرآن والكلام على (لعل) في كلام الله تقدم في أوائل البقرة.
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))
تفريع على ما تقدم من الموعظة بعذاب عاد المفصّل ، وبعذاب أهل القرى المجمل ، فرع عليه توبيخ موجه إلى آلهتهم إذ قعدوا عن نصرهم وتخليصهم قدرة الله عليهم ، والمقصود توجيه التوبيخ إلى الأمم المهلكة على طريقة توجيه النهي ونحوه لغير المنهي ليجتنب المنهيّ أسباب المنهيّ عنه كقولهم لا أعرفنك تفعل كذا ، ولا أرينّك هنا. والمقصود بهذا التوبيخ تخطئة الأمم الذين اتخذوا الأصنام للنصر والدفع وذلك مستعمل تعريضا بالسامعين المماثلين لهم في عبادة آلهة من دون الله استتماما للموعظة والتوبيخ بطريق التنظير وقياس التمثيل ، ولذلك عقب بقوله : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) لأن التوبيخ آل إلى معنى نفي النصر.
وحرف لو لا إذا دخل على جملة فعلية كان أصله الدلالة على التحضيض ، أي تحضيض فاعل الفعل الذي بعد لو لا على تحصيل ذلك الفعل ، فإذا كان الفاعل غير المخاطب بالكلام كانت لو لا دالة على التوبيخ ونحو إذ لا طائل في تحضيض المخاطب على فعل غيره.
والإتيان بالموصول لما في الصلة من التنبيه على الخطإ والغلط في عبادتهم الأصنام فلم تغن عنهم شيئا ، كقول عبدة بن الطّبيب :
إنّ الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
وعوملت الأصنام معاملة العقلاء بإطلاق جمع العقلاء عليهم جريا على الغالب في استعمال العرب كما تقدم غير مرة.
و (قُرْباناً) مصدر بوزن غفران ، منصوب على المفعول لأجله حكاية لزعمهم المعروف المحكي في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣]. وهذا المصدر معترض بين (اتَّخَذُوا) ومفعوله ، و (مِنْ دُونِ اللهِ) يتعلق ب (اتَّخَذُوا). و (دُونِ) بمعنى المباعدة ، أي متجاوزين الله في اتخاذ الأصنام آلهة وهو حكاية لحالهم لزيادة تشويهها وتشبيعها.