و (بَلْ) بمعنى لكن إضرابا واستدراكا بعد التوبيخ لأنه في معنى النفي ، أي ما نصرهم الذين اتخذوهم آلهة ولا قربوهم إلى الله ليدفع عنهم العذاب ، بل ضلّوا عنهم ، أي بل غابوا عنهم وقت حلول العذاب بهم.
والضلال أصله : عدم الاهتداء للطريق واستعير لعدم النفع بالحضور استعارة تهكمية ، أي غابوا عنهم ولو حضروا لنصروهم ، وهذا نظير التهكم في قوله تعالى : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) في سورة القصص [٦٤].
وأما قوله : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) فهو فذلكة لجملة (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) إلخ وقرينة على الاستعارة التهكمية في قوله : (ضَلُّوا عَنْهُمْ). والإشارة ب (ذلِكَ) إلى ما تضمنه قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) من زعم الأصنام آلهة وأنها تقربهم إلى الله ، والإفك بكسر الهمزة.
والافتراء : نوع من الكذب وهو ابتكار الأخبار الكاذبة ويرادف الاختلاق لأنه مشتق من فري الجلد ، فالافتراء الكذب الذي يقوله ، فعطف (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) على (إِفْكُهُمْ) عطف الأخص على الأعم ، فإن زعمهم الأصنام شركاء لله كذب مروي من قبل فهو إفك. وأما زعمهم أنها تقرّبهم إلى الله فذلك افتراء اخترعوه.
وإقحام فعل (كانُوا) للدلالة على أن افتراءهم راسخ فيهم. ومجيء (يَفْتَرُونَ) بصيغة المضارع للدلالة على أن افتراءهم متكرر.
[٢٩ ـ ٣٢] (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢))
هذا تأييد للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن سخر الله الجن للإيمان به وبالقرآن فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصدّقا عند الثقلين ومعظّما في العالمين وذلك ما لم يحصل لرسول قبله.
والمقصود من نزول القرآن بخبر الجن توبيخ المشركين بأن الجن وهم من عالم آخر علموا القرآن وأيقنوا بأنه من عند الله والمشركون وهم من عالم الإنس ومن جنس