وزعم أبو حيان أن مثله مقصور على السماع. قلت : وهو راجع إلى تنازع العاملين.
وعلى هذا الرأي يكون قوله تعالى هنا (وَلَمْ يَعْيَ) دالا على سعة علمه تعالى بدقائق ما يقتضيه نظام السماوات والأرض ليوجدهما وافيين به. وتكون دلالته على أنه قدير على إيجادهما بدلالة الفحوى أو يكون إيكال أمر قدرته على خلقهما إلى علم المخاطبين ، لأنهم لم ينكروا ذلك ، وإنما قصد تنبيههم إلى ما في نظام خلقهما من الدقائق والحكم ومن جملتها لزوم الجزاء على عمل الصالحات والسيئات. وعليه أيضا تكون تعدية فعل (يَعْيَ) بالباء متعينة.
وقرأ الجمهور (بِقادِرٍ) بالموحدة بصيغة اسم الفاعل. وقرأه يعقوب يقدر بتحتية في أوله على أنه مضارع من القدرة ، وتكون جملة يقدر في محل خبر (أَنَ).
وجملة (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل لجملة (بَلى) لأن هذه تفيد القدرة على خلق السماوات والأرض وإحياء الموتى وغير ذلك من الموجودات الخارجة عن السماوات والأرض. وتأكيد الكلام بحرف (أنّ) لرد إنكارهم أن يمكن إحياء الله الموتى ، لأنهم لما أحالوا ذلك فقد أنكروا عموم قدرته تعالى على كل شيء.
ولهذه النكتة جيء في القدرة على إحياء الموتى بوصف (بِقادِرٍ) ، وفي القدرة على كل شيء بوصف (قَدِيرٌ) الذي هو أكثر دلالة على القدرة من وصف قادر.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤))
موقع هذا الكلام أن عرض المشركين على النار من آثار الجزاء الواقع بعد البعث ، فلما ذكر في الآية التي قبلها الاستدلال على إمكان البعث أعقب بما يحصل لهم يوم البعث جمعا بين الاستدلال والإنذار ، وذكر من ذلك ما يقال لهم مما لا مندوحة لهم عن الاعتراف بخطئهم جمعا بين ما ردّ به في الدنيا من قوله : (بَلى)(١) [الأحقاف : ٣٣] وما يردون في علم أنفسهم يوم الجزاء بقولهم : (بَلى وَرَبِّنا). والجملة عطف على جملة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأحقاف : ٣٣] إلخ. وأول الجملة المعطوفة قوله : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) لأنه مقول فعل قول محذوف تقديره : ويقال للذين كفروا يوم
__________________
(١) في المطبوعة : فله.