والعزم المحمود في الدين : العزم على ما فيه تزكية النفس وصلاح الأمة ، وقوامه الصبر على المكروه وباعث التقوى ، وقوته شدة المراقبة بأن لا يتهاون المؤمن عن محاسبته نفسه قال تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦] وقال : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥]. وهذا قبل هبوط آدم إلى عالم التكليف ، وعلى هذا تكون (مِنَ) في قوله : (مِنَ الرُّسُلِ) تبعيضية. وعن ابن عباس أنه قال : كل الرسل أولو عزم ، وعليه تكون (مِنَ) بيانية.
وهذه الآية اقتضت أن محمدا صلىاللهعليهوسلم من أولي العزم لأن تشبيه الصبر الذي أمر به بصبر أولي العزم من الرسل يقتضي أنه مثلهم لأنه ممتثل أمر ربه ، فصبره مثيل لصبرهم ، ومن صبر صبرهم كان منهم لا محالة.
وأعقب أمره بالصبر بنهيه عن الاستعجال للمشركين ، أي الاستعجال لهم بالعذاب ، أي لا تطلب منا تعجيله لهم وذلك لأن الاستعجال ينافي العزم ولأن في تأخير العذاب تطويلا لمدة صبر الرسول صلىاللهعليهوسلم بكسب عزمه قوة.
ومفعول (تَسْتَعْجِلْ) محذوف دل عليه المقام ، تقديره : العذاب أو الهلاك. واللام في (لَهُمْ) لام تعدية فعل الاستعجال إلى المفعول لأجله ، أي لا تستعجل لأجلهم ، والكلام على حذف مضاف إذ التقدير : لا تستعجل لهلاكهم. وجملة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) تعليل للنهي عن الاستعجال لهم بالعذاب بأن العذاب واقع بهم فلا يؤثر في وقوعه تطويل أجله ولا تعجيله ، قال مرة بن عداء الفقعسي ، ولعله أخذ قوله من هذه الآية :
كأنك لم تسبق من الدّهر ليلة |
|
إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب |
وهم عند حلوله منذ طول المدة يشبه حالهم حال عدم المهلة إلا ساعة قليلة.
و (مِنْ نَهارٍ) وصف الساعة ، وتخصيصها بهذا الوصف لأن ساعة النهار تبدو للناس قصيرة لما للناس في النهار من الشواغل بخلاف ساعة الليل تطول إذ لا يجد الساهر شيئا يشغله. فالتنكير للتقليل كما في حديث الجمعة قوله صلىاللهعليهوسلم : «وفيه ساعة يستجاب فيها الدعاء» ، وأشار بيده يقللها ، والساعة جزء من الزمن.
(بَلاغٌ).
فذلكة لما تقدم بأنه بلاغ للناس مؤمنهم وكافرهم ليعلم كلّ حظّه من ذلك ، فقوله :