(بَلاغٌ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا بلاغ ، على طريقة العنوان والطالع نحو ما يكتب في أعلى الظهير : «ظهير من أمير المؤمنين» ، أو ما يكتب في أعلى الصكوك نحو : «إيداع وصية» ، أو ما يكتب في التآليف نحو ما في «الموطأ» «وقوت الصلاة». ومنه ما يكتب في أعالي المنشورات القضائية والتجارية كلمة : «إعلان».
وقد يظهر اسم الإشارة كما في قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) [إبراهيم : ٥٢] ، وقول سيبويه : «هذا باب علم ما الكلم من العربية» ، وقال تعالى : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) [الأنبياء : ١٠٦].
والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا على طريقة الفذلكة والتحصيل مثل جملة (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦] ، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) [البقرة : ١٣٤].
(فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ).
فرع على جملة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) إلى (مِنْ نَهارٍ) ، أي فلا يصيب العذاب إلا المشركين أمثالهم. والاستفهام مستعمل في النفي ، ولذلك صحّ الاستثناء منه كقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠].
ومعنى التفريع أنه قد اتضح مما سمعت أنه لا يهلك إلا القوم الفاسقون ، وذلك من قوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] ، وقوله : لتنذر (الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) إلى قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف : ١٢ ، ١٣] ، وقوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) [الأحقاف : ٢٧] الآية.
والإهلاك مستعمل في معنييه الحقيقي والمجازي ، فإن ما حكي فيما مضى بعضه إهلاك حقيقي مثل ما في قصة عاد ، وما في قوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) ، وبعضه مجازي وهو سوء الحال ، أي عذاب الآخرة : وذلك فيما حكي من عذاب الفاسقين.
وتعريف (الْقَوْمُ) تعريف الجنس ، وهو مفيد العموم ، أي كل القوم الفاسقين فيعم مشركي مكة الذين عناهم القرآن فكان لهذا التفريع معنى التذييل.
والتعبير بالمضارع في قوله : (فَهَلْ يُهْلَكُ) على هذا الوجه لتغليب إهلاك المشركين الذي لمّا يقع على إهلاك الأمم الذين قبلهم. ولك أن تجعل التعريف تعريف العهد ، أي القوم المتحدث عنهم في قوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) الآية ، فيكون إظهارا في