وحكى الأزهري عن جماعة من العلماء ، أي معنى لا أبالي : لا أكره ا ه. وأحسبهم أرادوا تفسير حاصل المعنى ولم يضبطوا تفسير معنى الكلمة.
ويطلق البال على الحال والقدر. وفي الحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر». قال الوزير البطليوسي في شرح ديوان امرئ القيس : قال أبو سعيد : كنت أقول للمعري : كيف أصبحت؟ فيقول : بخير أصلح الله بالك. ولم يوفه صاحب الأساس حقه من البيان وأدمجه في مادة (بلو). وإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه ، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن ، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك ، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة والمعنى : أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحا ولا يتدبرون إلا ناجحا.
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣))
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ)
هذا تبيين للسبب الأصيل في إضلال أعمال الكافرين وإصلاح بال المؤمنين. والإتيان باسم الإشارة لتمييز المشار إليه أكمل تمييز تنويها به. وقد ذكرت هذه الإشارة أربع مرات في هذه الآيات المتتابعة للغرض الذي ذكرناه.
والإشارة إلى ما تقدم من الخبرين المتقدمين ، وهما (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١] و (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) [محمد : ٢] ، مع اعتبار علتي الخبرين المستفادتين من اسمي الموصول والصلتين وما عطف على كلتيهما.
واسم الإشارة مبتدأ ، وقوله : (بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) إلخ خبره ، والباء للسببيّة ومجرورها في موضع الخبر عن اسم الإشارة ، أي ذلك كائن بسبب اتباع الكافرين الباطل واتباع المؤمنين الحق ، ولما كان ذلك جامعا للخبرين المتقدمين كان الخبر عنه متعلقا بالخبرين وسببا لهما. وفي هذا محسن الجمع بعد التفريق ويسمونه كعكسه التفسير لأن في الجمع تفسيرا للمعنى الذي تشترك فيه الأشياء المتفرقة تقدم أو تأخّر. وشاهده قول حسان من أسلوب هذه الآية :
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم |
|
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا |